خيرية البشلاوى - خطبة الشيخ..

ليتني أستطيع التعبير عما دار بخاطري وأنا اقرأ خبر اكتشاف رواية "خطبة الشيخ" التي ألفها عميد الأدب العربي في العشرات الأولي من القرن العشرين وظلت مفقودة حتي تم العثور عليها مؤخرا.
فأول ما يتبادر إلي الذهن المفارقة الموجعة فعلا بين جوهر ما تضمنته الرواية منذ مائة عام وأكثر وبين ما نحن فيه الآن. وما آلت إليه أحوال المرأة المصرية التي وقفت الرواية إلي جانب حقها في التعليم وحرية التفكير والتعبير ودافعت عن حقها في العمل واختيار الزوج بعيدا عن سلطة الأب.
والمفارقة الأخري التي تكرس ما أعتقده وأؤمن به أن للحضارات ضاربة الجذور في الزمن مثل الحضارة المصرية جينات قوية ترثها الأجيال التي رضعت منها وتربت في ربوعها وولدوا فوق أرضها.. فهذا الأديب المصري المبدع ولد في قرية من قري الصعيد الغارقة في الجهل. جهل أطفأ نور عينيه إلي الأبد وغارقة في الخرافة والرتابة ووسط أسرة فقيرة ولم يحل ذلك دون تعليمه في كتاب القرية. هذه القرية المحرومة انجبت مثل هذا العبقري الضرير عميد الأدب العربي وقري أخري مثلها أمدتنا بمبدعين أناروا لنا الدنيا وغيروا وجه الأيام وعتمة الجهل وأثروا في أجيال ووصلوا إلي مستوي من النبوغ يضمن لهم الخلود بعطاء متجدد حتي وهم غائبون.
كتب الأديب الضرير هذه الرواية وعمره 26 سنة أو أقل ونشرها في مجلة ¢السفور¢ المصرية ولكنها ظلت مجهولة حتي تم اكتشافها منذ أيام ومن الطبيعي أن يشكل العثور عليها حدثا ثقافيا وأدبيا يستحق الاحتفاء به ومن المتوقع عندما يعاد طباعتها أن تنفد أعدادها سريعا.
ان أكثر ما دعاني إلي الحزن ¢صورة¢ المرأة المصرية الآن أو نسبة كبيرة جدا منهن.. صار المنظر العام للنساء المصريات ولا أقول العربيات في التجمعات وأماكن العمل والنوادي وميادين الدراسة والجامعات وفي الأسواق والشوارع يفرض سؤالا كثيرا ما يجول في خواطرنا نحن الجيل المتقدم من العمر من النساء المصريات.
ماذا جري للمجتمع المصري ولماذا وصل مظهرنا إلي هذا المستوي المتخلف؟؟ ولماذا اصبحت النساء المصريات محل انتباه دون غيرهن في عواصم المدن الغربية التي يهاجرن إليها ويقمن فيها. وكانت جموعهن في أسواق مثل مدينة "لندن" تلفت نظري شخصيا ومنذ فترة. تعرفهن من البعد والقرب. وفي مدينة مثل "مونتريال" في كندا وداخل عربات المترو أما هنا فحدث عن مظهر المعلمات والطالبات وداخل المؤسسات بتنوع نشاطاتها.
¢خطبة الشيخ¢ الرواية التي سوف يعاد طباعتها كما أوضح رئيس دار الكتب والوثائق المصرية محمود الضبع تم نشرها في العام 1916 علي حلقات في جريدة "السفور" وتبين أنها كتبت قبل رواية "زينب" المنشورة عام 1914 والتي تحولت إلي فيلم مرتين في عامين 1930 "صامت" وعام "1954" ناطق ولو تأملنا تواريخ هذه الروايات نكتشف علي الفور الحضور المبكر للمرأة المصرية في إبداع المبدعين المستنيرين.
علينا أن نرجع بالذاكرة إلي تلك "الأيام" التي مرت والسنوات التي أدت إلي نكسة العقل الجمعي للمصريين والعوامل التي اجتمعت في ميادين عده اقتصادية وتعليمية وعلمية وفكرية إلخ.. لطمس المقومات البارزة الحضارية التي عرقلت تطور المجتمع وأدت إلي هجرة فكرية لمذاهب وايديولوجيات طاحنة للتقدم وداهشة لأسباب التحضر.
وتعتمد رواية طه حسين في بنائها حسب ما قاله رئيس دار الكتب "محمود الضبع" علي خمس عشرة رسالة متبادلة بين شخصياتها. وتدورحول مناقشة قضايا تنمية المرأة وحقوقها في التعليم وحرية الفكر والحياة والزواج.
ويري مدير المركز القومي للترجمة "أنور مغيث" ان جريدة؟ "السفور" كانت تنطلق من وضع المرأة المتخلف في المجتمع المصري في بدايات القرن العشرين وما يعاني منه من أمراض وفي مقدمتها التبعية والاستبداد والاستسلام للخرافة والظلم الاجتماعي ورواية الأديب كما يري مغيث تنطوي علي نقد كثير لمظاهر الخلل الاجتماعي فضلا عن تأكيد موقف طه حسين من الأزهريين مع التحفظ علي الزواج القائم علي قرار الأب وليس الفتاة وعلي منع الحكومة الفتيات من العمل بعد الزواج ويضاف إلي ذلك تلاعب العلماء بالفتاوي والأحكام!
والسؤال الذي يضيف هماً علي الهموم الأخري هو: هل تخلصنا من هذه الأوجاع المزمنة أم أنها استفحلت حتي باتت طاعونا يهدد الإنجازات ومحاولات بناء البشر نساء ورجالاً علي قيم حضارية إنسانية مستنيرة.

أعلى