حسن البحيري - حَيْفا في سَوَادِ العُيُونْ

ما أَشْرَقَتْ عَيْنَاكِ إلاّ خانَني = بِصَبابَتي.. صَبْري.. وَحُسْنُ تَجَمُّلي
وَتَحَسَّسَتْ كَفّايَ مِنْ أَلَمِ الجَوى = سَهْماً مَغارِسُ نَصْلِهِ في مَقْتَلي
وَتَسارَعَتْ مِنْ مُهجَتي في وَجْنَتي = حُمْرُ المَدامِعِ جَدْوَلاً في جَدْوَلِ
فَلَقَدْ رَأَيْتُ بِلَحْظِ عَيْنِكِ إِذْ رَنَتْ = والتِيهُ يَكْحَلُها بِميلِ تَدَلُّلِ
"حَيْفا" وَشاطِئَها الحَبيبَ، وَسَفْحَها، = وَذُرىً تعالتْ لِلسِّماكِ الأَعْزَلِ
وَمُنىً تَقَضَّتْ في فَسيحِ رِحابِها = وَهَوىً تَوَلّى في الشَّبابِ الأَوَّلِ
وَرَأَيْتُ هَيْمَنَةَ الأَمانِ مُطَمْأَنَ = اللَّهَفاتِ مِنْ غَدْرِ الصُّروفِ الحُوَّلِ
بِظِلالِ أَهْدابٍ تَرِفُّ غَضارَةً = كَظِلالِ أَهْدابِ الغَمامِ المُثْقَلِ
وَذَكَرْتُ مِنْ عُمُرِ النَّعيمِ مَضاءَهُ = بِصِبىً على رُودِ الليالي مُعْجَلِ
وَالعيشُ بُسْتانٌ وَبَسْمَةُ سَعْدِهِ = فَجْرٌ بِأَفْراحِ المَشارِقِ يَنْجَلي..
وَالنَّجْمُ يَسْحَبُ مِنْ مَشارِفِ أُفْقِهِ = ذَيْلَ الإِباءِ إِلى مَشارِفِ مَنْزِلي
عَيْنٌ رَأَيْتُ بِسِحْرِها وَفُتونِها = أَحْلامَ عَهْدٍ بالصَّفاءِ مُظَلّلِ
وَلَمَحْتُ بَيْنَ سَوادِها وَبَياضِها = ظِلَّ الصَّنَوْبَرِ في أَعالي "الكَرْمِلِ"
فَعَلى جُفونِكِ لاحَ طَيْفُ رَبيعِهِ = وَالحُسْنُ يُوطِئُهُ بِساطَ المُخْمَلِ
والسَّوْسَنُ المَطْلولُ بَيْنَ صُخورِهِ = خَفِقُ العِطافِ على أَغاني البُلْبُلِ
وَمَضاجِعُ الأَحْبابِ في أَحْضانِهِ = بَيْنَ الخمائِلِ مِنْ حَريرٍ مَوْصِلي
والرّيحُ تَشّدو في مَلاعِبِ دَوْحِهِ = نَغَمَاً تَنامُ لَهُ عُيُونُ العُذَّلِ
جَبَلٌ أَطَلَّ عَلى مَرابِعِ أُنْسِهِ = قَمَري.. وَغابَ وَتِمُّه لَمْ يَكْمَلِ
وَغَرَسْتُ بَيْنَ شِعافِهِ وَشِعابِهِ = زَهْرَ الصِّبا وَرَوَيْتُهُ مِنْ سَلْسَلَي
وَرَعَيْتُهُ بالرُّوحِ مِنْ لَفْحٍ.. وَمِنْ = نَفْحٍ وَمِنْ غِيَرِ الزَّمانِ النُّزَّلِ
فَنَما عَلى جُهْدِ الضَّنى.. وَعَنائِهِ = وَزَكا عَلى جُرْحٍ عَسِيرِ المَحْمَلِ
حَتَّى اسْتَوَى سُوقاً.. وَهَدْهَدَ خاطِري = مَجْنىً.. وَأَكْمامُ الرَّجاءِ بَسَمْنَ لي
قَطَفَتْهُ كَفٌّ غَيْرُ كَفِّي عَنْوَةً = وَجَناهُ مِنْ أَرْضي غَريبُ المِنْجَلِ!
فَإذا رَنَوْتُ إِلى لِحاظِكِ تائِهاً = مِنْ سِرِّها في جُنْحِ لَيْلٍ أَلْيَلِ
مُتَعَثِّرَ اللَّحَظاتِ، مَشْدُوهَ الأَسى = أَهفو لِحَظٍّ مُدْبرٍ أَوْ مُقْبِلِ
وَأَنا أَرودُ بِلَهْفَتي وَصَبابَتي = أَلْقَ السَّنى مِنْ وَجْهِكِ المُتَهَلِّلِ
فَتَلَفَّتي، لا تَعْطِفي جِيدَ الحَيا = عَنّي، فَفي عَيْنَيْكِ غايةُ مَأْمَلي..!
أعلى