أحمد الحسن - قراءة في قصيدة الشاعرة الجزائرية رزيقة بوسواليم: مناديلك بقلبي لا تكف عن البكاء.

تحول الإرهاص والنبوءة، والأفق الذي تراءى لعين الشاعرة رزيقة في نصها السابق ( كورونا لعبة الموت الم ف ك ك ة) الذي واجهتنا به مستشعرة بقسوة المُنتظَر، حين يداهمنا كورونا الفاتك بأماننا وانتمائنا إلى عالم نتوهم أننا آمنون فيه....
تحول ذلك كله إلى واقع نعيش تفاصيله ليس عبر الشاشات، بل نعيشه في ادق تفاصيل حياتنا، نعيشه وجوديا وروحيا وشعوريا، وهاهي رزيقة بأسلوبها المعهود والذي تكاد تتفرد به مما يجعلها صوتا لا كغيره من الأصوات الشعرية على كل المستويات ولا سيما على مستوى الاستحواذ على مادتها النصية عبر رؤية تتجاوز من خلالها المباشر الى التأصيل الرؤوي لتلك المادة، فيأتي نصها اليوم على صورة تجاوب ذاتها كشاعرة تتأمل فضاء شاسعا في عيون الآخرين، ولا تراه في لحظته الآنية بل تراه لحظة متجذرة في تاريخ الوجود بكل تراجيديته... تراه في بعده الانساني الذي يمنحه معناه وجودنا كأفراد لكل من سيكولوجيته التي يحددها الجنس وتعبر عن ذلك كله من خلال العيون كأصدق جارحة تعبر عن انفعال الانسان ، وأفصح جارحة تكشف حالته الشعورية والانفعالية.
لهذا نرى كل ما في النص يتمركز حول ما تشي به هذه العيون وكيف تعبر عن مكنونات الذات وانفعالاتها ودلالة الدمع كلغة خاصة في التعبير على الرغم أنها حالة بيولوجية في اساسها.
فرزيقة في هذا النص تنطلق من البيولوجي وفيزيولجية الدمع إلى الشعوري الانفعالي بفعل المعايشة لتلونات الحياة وما ينتاب الانسان من أحاسيس وفقا لهذه التلونات الحياتية وترصد دلالة الدمع كرسول للذات إلى العالم والأخر وكتعبير بلغة العيون.
إن ما يميز النص الشعري الذي تصوغه رزيقة أنه نص مصوغ وفق مبدأ الحلولية في الموضوع والتماهي مع حالاته ومع الحالات التي يمر به الانسان مطلق إنسان حين يكون في مواجهة مع الموضوع ولذا نلحظ في هذا النص وفي نصوص اخرى للشاعرة هذا التأصيل له مرتبطا بالوجود الانساني بعيدا عن نزعة التأريخ للموضوع او حكي المواقف بل بشعرية وبلغة تقتصد فيها حد التكثيف،
فهي تجوب في نصها فضاءات النفس الانسانية بعبارات ذات طابع إيمائي ، لذلك نراها تنأى عن الحكائية وتوفر لنصها شعريته الخاصة به مما يجعلها كشاعرة حالة متفردة في هذا الفضاء الشعري الذي يعج بالمتشابه من القول ولاسيما ذاك الذي يُغرقُ في الذاتية الممجوجة متوهما أن الذاتية هي التعبير عن الذات ، في حين أن الذاتية هي في الحقيقة تلك الرؤية التي ترى العالم رؤية ذاتية. ولعل نص رزيقة بو سواليم يعدنموذجا على ذلك

رزيقة/ الشعر

النص :
مناديلك بقلبي لا تكفُّ عن البكاء ،،/

أي دمعة حزن لا ،،
وإنَّ العيون زجاجات النُّور
والماء
الفاضح .
★★★
الدُّموع
أغنيات حزينة مملَّحة
أمطارُ خريف ،
دوَّامات مائية في نهر غادر .

★★★
مثل الملح للطَّعام
كذا الدُّموع
للوجه في صورة غائمة
كذا
الغيمة مثقلة
في أرحام السَّماء .

★★★
بعض العيون
كثيرا ما
تتلألأ
مصابيحها بالدُّموع في ليالي الوحدة .

★★★
تلك دموعُ الرِّجال
لا تصعبُ على الشروق
في ظلمات الفقد المرير .

★★★
تبكي النِّساء
مثل بكاء السَّماء في يوم
شتوي يُخرج رأسه
من تحت بطانية نشرةٍ جوية ممطرة .

★★★
كم تراه يستهلك العالم
من مناديل ورقية
لا تسد رمق الباكين
في جنازات كورونا بالجملة ؟

★★★

بعض المناديل
فاحشة التطريز
وبعضها
فاحشُ القسوة
مناديل الوداع أكثرها رقة .

★★★
ملح الدُّموع
على حبيب ميِّت
قوي الطَّعم
يجرح العيون المشتاقة لرائحة ضمة واحدة .

★★★

تاريخُ ميلاد الإنسان الصاخب
مرتبط
بالبكاء الطويل .

★★★
يتناسلٌ الدَّمع
في قلبي و قلبك يا صديقي ،،
إنِّي أسمع
معك نحيب الذَّاكرة .

★★★
لا يتوقَّفُ البكاء
لحظة
على طول شريط الحياة الأحمر .

★★★
أجملُ العيون
التِّي تحمل فرحة أو ضحكة
ممزوجة بالدُّموع .

★★★
يتواطأ الدَّمع
مع الحبِّ كثيرا .
★★★

صوتُها حزين باكي
إنَّها مطربة عراقية
إسمها
دُموع .
★★★

يبكي الرَّجل العاشق بصمت
بينما تبكي المرأة حبَّها
بصوتٍ مرتفع .

★★★
تقضي النِّساء
أعمارهنَّ في تربية الدُّموع
حتى تخرب
عيونهن الجميلة .

رزيقة بوسواليم


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى