إيتجار كيريت - مُغْلَقتان.. قصة قصيرة - ترجمة: شادي عبد العزيز

أعرف رجلًا يستغرق في التخيُّلات طيلة الوقت. لا أبالغ حين أقول إنه يمشي في الشارع مغلق العينين. يومًا ما، كنتُ جالسًا في سيارة يقودها، ونظرت إلى يساري لأجد كلتا يديه على عجلة القيادة وعيناه مغلقتان. لا أمزح، لقد كان يقود السيارة على طريق رئيسية بهذا الأسلوب.

صحتُ فيه: «يا حجاي، ليس ذلك مستحسنًا، افتح عينيك». لكنه ظل يقود سيارته كما لو كان كل شيء على ما يرام.

سألني: «أتعرف أين أنا الآن؟»

كررتُ قولي: «افتح عينيك وكفى، هذا يفزعني، إنها لمعجزة أننا لم نتعرض لحادث!»

كان الرجل يستغرق في تخيُّلاتٍ عن منازل الآخرين، وكأنها منزله. يستغرق في تخيُّلاتٍ عن سياراتهم وعن وظائفهم. لكن وظائفهم شيء، وزوجته شيء آخر. لقد كان يتخيَّل نساءً أُخريات بدلًا من زوجته. ويتخيَّل أطفال غيره كذلك، ممن يلقاهم في الشارع أو في الحديقة أو يشاهدهم في مسلسل تلفزيوني ما، وكأنهم عائلته بدلًا من أطفاله. كان يقضي ساعات في ذلك. ولو تُرِكَ له الأمر، لقضى حياته كلها في ذلك.

قلتُ له: «حجاي، حجاي، عليك أن تُفيق، دع عنك غفلتك وعُد إلى حياتك. إن لك حياة مدهشة وزوجة رائعة وأطفالًا جميلين. أفِق!»

وكان يجيبني من عُمق البين باج: «توقف، لا تفسد أمري. أتعرف مَن معي الآن؟ يوتام راتسابي، زميل الجيش القديم. أنا في جولة في السيارة الجيب مع يوتام راتسابي. ليس فيها إلا أنا ويوتي والصغير إِيفياتار مِندلسون. يا له من طفل ذكي من حضّانة آميت. وإِيفياتار، ذلك الشيطان الصغير، يقول لي: «بابا أنا عطشان، ممكن أشرب بيرة؟» تصوَّر! إنه لم يبلغ حتى السابعة من عمره. لذلك قلتُ طبعًا: «البيرة ممنوعة يا إيفي. أنت تعرّف أن أمك منعت ذلك». أمه رونا يِديديا زميلة المدرسة، طليقتي الجميلة مثل عارضة أزياء، والقاسية كالأظافر».

أردّ: «حجاي، ليس ذلك ابنك، وتلك ليست زوجتك. لست مُطلَّقًا، بل أنت متزوج وسعيد بزواجك، افتح عينيك!»

يستطرد كأنه لم يسمعني: «في كل مرة أعيد فيها الطفل إلى منزلها، ينتابني انتصابٌ. انتصابٌ كبير كسارية مركب. طليقتي جميلة، جميلة ولكن قاسية. وتلك القسوة هي ما تصيبني بالانتصاب».

أقول: «إنها ليست طليقتك، ولا انتصاب لديك». أنا متأكد مما أقول، فهو على مسافة مترٍ مني في سروال قصير، ودون انتصاب.

يحكي: «اضْطُررنا إلى الانفصال. أنا كرهتُ صحبتها، وهي نفسها كرهت صحبتها كذلك».

توسلتُ إليه: «حجاي، أرجوك، زوجتك اسمها كارني، والواقع إنها جميلة، لكنها ليست قاسية. ليس معي على الأقل». زوجته رقيقة بحق. لها روح طائر طيبة وقلب كبير، يتسع للجميع. مرت علينا تسعة أشهر معًا حتى الآن. يبدأ حجاي العمل مبكرًا، وأقابلُها أنا في الثامنة والنصف، بعد أن توصل الأطفال للحضانة مباشرةً.

يسترسل: «أنا ورونا تقابلنا في المدرسة. كانت حبي الأول وكنت حبها الأول. وبعد الطلاق، لعبتُ بذيلي هنا وهناك، كثيرًا، ولكن ولا واحدة منهنّ قاربتها في أي شيء. أتعرف! إنها تبدو كما لو كانت لا تزال وحيدة. ربما كان ذلك بسبب تباعُدنا. لكن إن تبين لي أنها ارتبطت بغيري، سأنهار، حتى رغم طلاقنا وكل شيء. سأنهار إلى حطام. فقط لن أستطيع تحمُّل ذلك. لم تكن أيًا من الأُخريات تعنيني في شيء. هي فقط تعنيني. وحدها، دائمًا وأبدًا».

أكرر: «حجاي، اسمها كارني وليست مرتبطة بغيرك. أنت ما زلتَ متزوجًا!»

يرد بينما يلحس شفتيه الجافتيْن: «رونا ليست مرتبطة بغيري كذلك. سأنتحر إن كان هناك غيري».

ها قد أتت كارني الشقة، تحمل كيس تسوق. تلقي عليَّ تحية عارضة. منذ أن صرنا معًا، تحاول أن تبدو المسافة بيننا أبعد في وجود غيرنا. لم ينل منها حجاي أي «هاي»، فهي تعرف انعدام جدوى مخاطبته وعيناه مغلقتان.

يقول: «منزلي، في مركز تل أبيب بالضبط. يا له من منزل جميل، بشجرة التوت خارج النافذة مباشرةً! لكنه صغير، أصغر مما ينبغي. أحتاج غرفة أخرى. في عطلات نهاية الأسبوع، عندما يأتيني الأطفال، يكون عليَّ أن أخرج الأريكة التي تُفتَح إلى فراش. يؤلم ذلك عنقي حقًا. إن لم أجد حلًا قبل الصيف، سيكون عليَّ أن أنتقل إلى منزل آخر».

[1] الشرغوف صغير الضفدع.

* عن ترجمة سوندرا سيلفرستون للإنجليزية


** بإذن من المتردم شادي عبد العزيز


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى