صلاح عبد العزيز - إضاءة على نص محب خيرى الجمال.. النيل الذى أحمله كقصعة

العمل الشاق لبناء وطن سمة من سمات المصرى الصميم عامل البناء ذلك العمل الشاق وتلك الحياة التى يقضيها المصرى طوال حياته وعلى مدار حضارته العريقة من أقصى الجنوب لأقصى الشمال ومن شرق مصر لغربها تلك مهنة يمتهنها كثير من المصريين الذين حملهم النهر من الجنوب وتفرقوا على ضفافه فى كل مدن مصر ومن عنوان النص ما يلفت النظر لتلك السمة وتلك المهنة ، الذى يحمل القصعة ؛ والذى يوجد بداخل القصعة . والقصعة هى وعاء كبير مصنوع من الصاج لأعمال البناء يحمله العامل على كتفه لإيصال خلطة المونة إلى مكان استخدامها سواء بناء جدران أو عمدان وسقوف وذلك العمل الشاق هو جزء من عملية كبيرة . والنيل هو القصعة بما تحويها تأكيد الهوية المصرية من خلال الفعل أحمل فهو ابن النيل وراءه الكثير من الشيخوخة تاريخا وحضارة ونصوصا قديمة إذ أن البنّاء المصرى القديم عندما ينتهى من البناء يزين مقابره ومبانيه بالنقوش البارزة والغائرة ولأنه عمل شاق فهو نضال مرير ومؤلم لترميم الحياة وجعلها مقبولة يمارس ذلك بلهفة وبشهوة وهو فى عمله الشاق يود الرجوع للخلف لإعادة بناء العالم وتنظيمه بدء من دماغه اى أفكاره إلى شفتيه أى نصوصه ولأنه البنّاء العظيم يود تقطيع متون النهر وكلمة متون تحيلنا إلى نصوص الكتابات الفرعونية واستخدامها المقدس ولكن لماذا يود ذلك . الشاعر المعاصر فى كونية إعادة عملية الخلق يريد خلخلة ما هو مقدس فليس كل مقدس فى التراث القديم بمقدس فاللامقدس هو الهاوية التى يجب الحرص منها يبدأ ذلك بتحرير الصوت والطفولة والذاكرة والجسد من كل ما نحسبه مقدس وهو ليس كذلك ، حتى طقوس الموت التى مازالت .
ورغم آلية عمل البِناء فحامل القصعة هو الوسيط والوسط فى عملية البناء نفسها كمنظومة إلا أن الشاعر يرى أن حامل القصعة بما تحويها هو البَنّاء والمهندس والمنظم والمخطط لأنه لولاه ما تمت عملية البناء ولأن حامل القصعة ضرورى جدا فى كل أعمال ومراحل البناء حتى الترميم وبدونه لن يتم عمل ولأنه مارس ذلك العمل الشاق .
ما يجب أن نلتفت إليه فى عمل الذاكرة تلك الذاكرة النقلية من نصوص وصور وأحداث تنقل دون وعى وتعيد السرد كما هو دون تمحيص فالمهاجرون والمشردون والملعونون على جلد ذلك النهر تلك الحياة الأليمة القاسية التى يعيشها أبناؤه هم خيبات الأمل التى لم يعد فى وسعه تحملها والنهر وحش بائد خرافى يحفر ممرات فى رأسه الدائخ كفعل الذاكرة التراثية لكن تلك الذاكرة ذاكرته هو تعى ولاتصرح وتود تقطيع النهر بأسنانها تود إعادة صياغة الماضى تود إعادة صياغة الذاكرة الجمعية عن طريق التقشير والتقطيع وتلك عملية تنم عن قدرة وقوة وصلابة وتحدى.
تتحول الذات الشاعرة نفسها إلى قصعة التحول الزمنى ما بين فعل النهر قديما وفعل الإنسان الحديث كأنما إشارة للتحولات الفكرية مابين المفهوم القديم والحديث لتنقية المواكب والمعاهدات والديانات والخوف. البدء من جديد كطفلين على سلم الحياة فى ثنائية قوامها المساواة والتآزر لمواجهة يوم أكثر وجعا.
ينسحب الوجع على الذات بألم فى المعدة فقصائد القدماء والجرائم المنظمة والروايات المملة كل ذلك الزخم الثقافى التراثى ثقيل الدم لابد له من احتراق وهذا الاحتراق لابد معه من أن يحترق ويتقيأ المر والدم الداكن كى يكون هناك حقل قمح ذلك الجوع المعرفى فإعادة البناء لاتطلب سوى التنقية والاحتراق .
والإنسان المعاصر لابد له من كينونة وقدرة على الفعل والمواجهة مابين القديم بمأثوراته وموتيفاته ونقدها ومحاولة إحلال مفاهيم جديدة تلك القدرة الفذة فى المصرى المعاصر والذى استلهم فى قصعة ذلك النص فالقصعة استعارة عن النيل مرة وعن الذات مرة عن النيل فى القدم الذى شكل الحياة وعن المصرى الآن الذى سيشكل الحياة حسب مفاهيم حديثة وبناء حديث تحل محل القديم من المفاهيم والنقوش والمتون الموروثة .
صلاح عبد العزيز- مصر 🇪🇬 🇪🇬 🇪🇬
------------
محب خيرى الجمال
النيل الذى أحمله كقصعة
/
ورائي الكثير من الشيخوخة ،
أعوام من النصوص المحترقة
والنضال المر ، وترميم الحياة الأليمة ،
حزمة كاملة من اللهفة البدينة الممتلئة ببريق الشهوة ،
لمرة واحدة فقط أود الرجوع للخلف ،
أريد تقطيع متون النهر ودفع دماغه لأسفل ،
أمسكه من شفتيه المفتوحتين كهاوية
كي أتأكد من تحرير الصراخ وطفولتى الذابلة ،
لتنجو ذاكرتى من رمال تقاسمنى عتمة جسدى
وطقوس الموت الطازجة فى ساحات الانتظار ،،
//
ذاكرتى التى لم تنبس ببنت شفة فى الماضى تود تقطيع النهر بأسنان مفترسة
وتقشير جلده من المهاجرين والمشردين والملعونين من العالم
النهر الذى تمدد داخلى كوحش بائد
يحفر من رأسى الدائخ ممرات مضطربة لخيبات الأمل ،
الخيبات التى لم يعد في وسعى تحملها ،،
///
كقصعة أحمل النهر على كتفين من ريش ودم قاتم ،،
النهر المستحيل
أريد أن أنقيه من المواكب والمعاهدات القذرة والديانات المستهلكة وجلافة الخوف
لنبدأ أنا وهو من جديد كطفلين على سلم الحياة
بملامح آمنة نهيئ الموسيقى والغناء ليوم أكثر وجعا
مما نعيشه الآن ،،
////
بألم معدتى المعتاد كنت أسحب قصائد القدماء خلفى
أسحبها بنعومة وعنف مع الجزيل للفقدان
والجرائم المنظمة ،،
أسوى أطرافها على جمر الليالى الطويلة
أحشرها في أحشاء روايات مملة وثقيلة الدم
ثم أذهب بها لحقل القمح لتحترق على أصابعى
لتحترق بكامل غرورها
وأحترق معها على سرير الماء
مع الكثير من القيء المر والدم الداكن ،،


محب خيري الجمال


https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=662101971034028&id=198419574068939

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى