د. إيمان الزيات - قراءة في كتاب ( نقد النقد المسرحي المغربي) المسرحي المغربي للدكتور مصطفى رمضاني

يعد الكتاب النقدي (نقد النقد المسرحي المغربي) للناقد والمسرحي د. مصطفى رمضاني أحد المراجع النقدية المائزة التى تناولت في (140) صفحة بوضوح وشفافية مجموعة من الموضوعات والدراسات النقدية التى تم طرحها في الآونة الأخيرة حول نصوص المسرح الأدبية، وعروض الفرجة، في تطوافة أكاديمية ثمينة وشرح مفصل لمكونات المسرح التقنية والجمالية والفنية.
ولعل من أهم مسببات تصنيفه بأحد أهم المراجع المعاصرة في نقد النقد المسرحي بالنسبة لي هي ندرة تلك المؤلفات وكون النقد المسرحي أحد فروع النقد الشحيحة بالوطن العربي، فضلاً على أن المؤلف لم يكتفِ بتكوين وجهة نظر عامة حول الدراسات النقدية المقدمة في المسرح المغربي وفضح الشفوية النقدية وغيرها من مكامن العور في مجال النقد المسرحي، فحسب بل قام بعمل صياغة لمحاور تلك المقاربات ومدى فاعليتها في تغطية جميع جوانب الأعمال المسرحية بصفة عامة من عدمه، مع طرح أنموذجاً كاملاً متكاملاً صالحاً للتقليد والاتباع والمحاكاة من كل المهتمين بنقد المسرح عامة أو بنقد أي مكون من مكوناته الخاصة (كالنص، والإخراج، والسينوغرافيا، و الممثل، والأزياء، والإضاءة، والموسيقى والتمويج، والماكياج، والأكسسوارات).
اهتم المؤلف بتوطئة كتابه ومنحها عناية لافتة ممهداً مدخل مؤلفه تمهيداً فريداً عن طريق نمط السؤال والإجابة، فقد طرح د- مصطفى رمضاني مجموعة من الأسئلة التى من شأن الإجابة عليها أن تبرر الغاية من شروعه في كتابة مؤلفه هذا.
كسؤاله: هل حقق النقد المسرحي المغربي ما يكفي من التراكم ليكون مادة للنقد حتى نتحدث عما يطلق عليه عادة اسم نقد النقد؟ مجيباً بأن حركة النقد المسرحي لم تتجاوز عقدها الرابع أو يزيد.
وطرح سؤالاً آخر موازياً له مفاده: هل من الضروري انتظار تراكم محدد ليكون مادة للدرس النقدي؟ وأجابه أيضاً بأن من الحكمة الاسترشاد بمقولة: (ما لا يدرك كله لا يترك جله). منتهياً إلى أن ما تحقق من مادة النقد المسرحي المغربي كافٍ من حيث الحجم والنوع ليكون موضوعاً للتأمل والدراسة وأنه مؤهل لأن يكون في طليعة الريبرتوار المسرحي العربي إذا قورن بصنوه المشرقي، وذلك لأنه متنوع في شعريته وحساسيته الفنية والفكرية، ويراه كأنه يختزل تجربة المسرح العربي برمته.
فكتاب (نقد النقد المسرحي) هو ملاحقة ثانية للملاحقة النقدية الأولى أو قراءة في المنجز النقدي المسرحي، وادراك للادراك.
ويري الكاتب أن (التنظير المسرحي) الذي برز بشكل لافت للانتباه كان سبباً في تحريك عجلة النقد المسرحي المغربي منه والعربي، فالنقد والتنظير متلازمان تلازم النقد والإبداع.
وينبه المؤلف في ختام مقدمة كتابه إلا أنه يقدم فيه استقراءً عاماً لحركية النقد المسرحي المغربي برؤية مجردة تحكمها الخبرة الأكاديمية والتجربة الميدانية بصفته أستاذاً أكاديمياً يدرّس المسرح ونقده، إلى جانب لذة القراءة المتأتاة من عشق المسرح وهوايته بحكم انخراطه في الفعل الثقافي منذ أن كان شاباً لم يتجاوز عقده الثاني.. وهذا ما جعله يكتب من منطلق ملامسة حقيقية وواقعية لكل من الكائن والمُشكل بهذا الصدد.
تعد (مستويات القراءة في النقد المسرحي المغربي) هي أولى أطروحات هذا الكتاب والتى بدأت في المغرب من وجهة نظر المؤلف بمرحلة النقد (الصحفي والإنطباعي) مروراً بالنقد (الفني) الذي يتوسل بآليات بعض المناهج كالمنهج التاريخي، والوصفي التحليلي، والاجتماعي، وصولاً للنقد العلمي والأكاديمي .. ولكن تلك القراءات لم تتمكن من البرهنة على أن النقد المسرحي قادراً بالفعل على ربط الجسور بين الإبداع والمتلقي، ومن ثم بين الإبداع والمجتمع؛ فعلى الناقد أن ينظر للعمل المسرحي على أنه نصاً أدبياً خالصاً وأن يقرؤه قراءة (دراماتورجية) تستحضر النص الموازي المتمثل غالباً في الإرشادات المسرحية.
وعليه أن يعي جيداً أنه بصدد نقد انتاج فني يتسم بتعدد أدواته التعبيرية ويسعى لمخاطبة مختلف قنوات التلقي والاتصال والادراك الإنساني المتمثلة في (الحواس، والمشاعر، والعقل، والتخيل).. فيجب أن تكون النظرة له نظرة شمولية تتماهى مع شمولية أدواته ولا تخلو من التخصصية بالبحث والنظر لوسائله المفردة حتى مع العروض (السيميائية)، مع عدم الاكتفاء بالنقد الإيديولوجي الذي يركز على مضمون الجزء/ النص الذي لا يمكن أن ينوب عن الكل الذي هو بناء العرض بمختلف مكوناته الأدبية والفنية والتقنية.
ويرى أن هناك العديد من الكتابات الأفاكة الصحفية والانطباعية الشبيهة بالدعاية الترويجية التى تسبق العمل المسرحي وهذا من شأنه أن يدفع المتلقي لفقدان الثقة في النقد المسرحي.
ولقد شهدت أواسط السبعينات وبداية الثمانينات مرحلة أكثر نضجاً تعد قفزة نوعية أساسية في النقد المسرحي بظهور تجربة (المسرح الملحمي البريختي).. وهكذا شهد النقد المسرحي تطوراً ملحوظاً لكنه كان لم يزل لا يرق إلى مقاربة العرض المسرحي في كليته إذ ظل يركز على النص.
أما عن كُتاب الجامعة المغربية فقد كانوا يكتبون عن المسرح بنفس وسائل الكتابة عن بقية الأجناس الأدبية والفنية الأخرى التى تختلف عن المسرح من حيث الأبنية والوظائف.
ويري د. مصطفى رمضاني أن عملية (مناقشة العروض المسرحية) خلال المهرجانات واللقاءات كانت بمثابة الانطلاقة السليمة للنقد المسرحي، حيث فظهر كلام عن لغة الجسد، وتقسيم الفضاء، وتأثيث الركح، دلالة الألوان، والأكسسوارات، والسينوغرافيا وما إلى ذلك.
ثم يتناول المؤلف في فصله التالي تحولات النقد المسرحي المغربي من الشفوية إلى سلطة النظري.. معيداً النقص في مجال النقد المسرحي الإجرائي إلى مجموعة من العوامل هي:
اختفاء المهرجان الوطني لمسرح الهواة.
اختفاء اللقاءات المسرحية.
غياب الخلف النقدي.
العامل السوسيواقتصادي.
المركزية.
ضعف الثقافة المسرحية.
دور الإعلام المرئي.
ضحالة الإبداعية في العروض المسرحية.

وتعد أكثر فصول الكتاب ديناميكية وثراءً ونفعاً للنقاد هو الفصل الذي يشرح فيه (المكونات التقنية والجمالية للعرض المسرحي) ملخصاً إياها في:
.
.
النص: المكون الجوهري للعرض المسرحي.
الإخراج: حيث يقوم المخرج بدور الدراماتورج الذي يتصرف في النص بوعيه ويعيد انتاجه بكيفية تجعله قابلاً للفرجة.
السينوغرافيا: الذي اتسعت مجالاتها من الديكور والأزياء إلى الأكسسوارات والملابس والمكياج.
الممثل: العنصر البشري الأساسي الذي لا يمكن الحديث عن عرض مسرحي في غيابه
الأزياء: حيث يفرق المؤلف هنا بين (اللباس الذي يرتديه الإنسان في الحياة اليومية)، (الزي الذي يرتديه الممثل فوق خشبة المسرح للدلالة على الشخصية المسرحية).
الإضاءة: (الصناعية) التى تحمل دلالة رمزية داخل العرض المسرحي (كإضاءة مقدمة المسرح، أمشاط الإضاءة الأفقية، طارحات الإضاءة، موزعات الضوء، مركزات الإضاءة، كشافات تكسير الإضاءة، المسلط الملاحق، كشاف الومضات، الآلات ذات المفعول الخاص)، محدداً بذلك الفرق بينها وبين (الإنارة التى تشير للوسائل الطبيعية ).
الموسيقى والتمويج.
الماكياج.
الإكسسوارات.
ثم يعرض لنا المؤلف أهمية المقاربة (الدراماتورجية) للنص المسرحي، لكونها كفيلة بتقريب المتلقي من صورة العرض اعتماداً على مكوناته النصية، والتى تجنب السقوط في الدلالات الملتبسة وتسمح باختيار التأويل الملائم للمقصود.
وتجنبنا ما تسميه"آن أوبرسفيلد": "الصراع بين إرهاب النص، والإرهاب الركحي".
وعناصر تلك المقاربة هي: ( العتبات، الحكاية، الإرشادات المسرحية، حوار الشخصيات). وتضيف إليها "آن أوبرسفيلد" (ثقب النص وتعارضاته الداخلية باللامتوقع).
ثم ينتهي بنا التطواف في ذلك المؤلف الثمين إلى فصل (تداول التناص في النقد المسرحي المغربي) مستعرضاً لتعريفات "جيرار جينيت" للمناص، والميتناص، النص اللاحق.
ذاكراً أنه لافرق بين مصطلحات التناص بعضها البعض مهما تنوعت وتعددت وأنها تعود في النهاية إلى المعجم النقدي المتداول عند كل باحث.

إيمان الزيات – مصر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى