أ. د. عادل الأسطة - " أسئلة الرواية العربية : أولاد الغيتو : اسمي آدم لإلياس خوري نموذجا" دراسة

تصدير
لم أكن افكر ، وأنا أقرأ روايات إلياس خوري ، في إصدار كتاب عنها ، ذلك أنها لم تتوفر لدي جميعها .
وحتى صدور روايته " مملكة الغرباء " ( 1993 ) التي أعيد نشرها في سلسلة " كتاب في جريدة " ، وهنا قرأتها ، لم أكن قرأت له سوى " الجبل الصغير " ( 1977 / وطبعة 2 في 1984 ) التي دونت عليها ، يوم قرأتها ، في 1987 ، ملاحظات تبدو لي اليوم غير مقروءة .
كنت أتابع إلياس ناقدا : " البحث عن الذاكرة المفقودة : دراسات نقدية " ( 1982 ) و " دراسات في نقد الشعر " ( 1979 ط1 ) تحديدا ، فكتابه " تجربة البحث عن أفق ، مقدمة لدراسة الرواية العربية بعد الهزيمة " ( 1974 ) ليس متوفرا لدي حتى الآن ، وتابعته في سلسلة " من تجارب الشعوب " التي كان يصدرها ويشرف عليها ، فراقت لي اختياراته ، ومنها رواية " الأشياء تتداعى ".
قبل 1987 كانت الكتب التي تصل إلى فلسطين قليلة ونادرة ولهذا لم تتوفر لدي اعمال الكاتب جميعها .
بعد 1993 سيختلف الأمر . سأقرأ عن تجربة الكاتب الروائية من كتاب حليم بركات " المجتمع العربي المعاصر " ومن خلال العدد الخاص بالروائي في مجلة " الطريق " اللبنانية ( السنة الستون 2001 ) ولسوف أدرس ما كتبه حليم بركات في كتابه عن فن الرواية وسوف أتوقف أمام رأيه في روايات إلياس.
وأنا أقرأ " مملكة الغرباء " و " باب الشمس " ( 1998 ) سيلفت نظري ما كتب عن اليهود فيهما ، ولما كنت أتابع هذا الموضوع في الأدب العربي فقد وجدتني أكتب عن اليهود في الروايتين المذكورتين ، وسوف أصدر مجموعة من الدراسات في كتاب عنوانه " جدل الذات والآخر : اليهود في الرواية العربية " ( 2011 ) وهو كتاب يتناول أعمال عبد الرحمن منيف و غسان كنفاني وممدوح عدوان والياس خوري .
حين قرأت رواية " يالو " ( 2002 ) توقفت أمام اللعب الروائي فيها ، وأنجزت كتابة مطولة عن اللعب ، واقترحت ، لاحقا ، على إحدى طالباتي في الماجستير أن تدرس ظاهرة التناص في رواية " باب الشمس " وهو ما كان .
في " يالو " لاحظت أن الناقد في إلياس يبرز بشكل لافت . " كتابة الممحو " مقولة نقدية تلح على تفكير بعض شخوص الرواية من الناس البسطاء الذين لم يقرؤوا النظريات الأدبية ، وكنت أتساءل إن كانت الفكرة تخطر ببالهم ، أم أن إلياس مثل جبرا ابراهيم جبرا يوزع أفكاره على شخوصه ؟!
حين صدرت " كأنها نائمة " ( 2007 ) قرأتها قراءة متعة ووجدتني أكتب عنها مقالة قصيرة . لفتت الكتابة عن المنامات نظري ولفت نظري أكثر ولع شخوص الكاتب بالشعر العربي القديم ، وتحديدا شعر المتنبي ، ولسوف اسأل : أين هو الاختلاف بين المؤلف وشخوصه ؟ وهل استطاع الكاتب أن ينفصل عن شخوصه ؟
الأسئلة التي أثرتها وأنا أقرأ الروايات السابقة ستلح علي وأنا أقرأ " سينالكول " . ( 2012 ) . هذه رواية ليست سهلة وكنت أتوقع فوزها بجائزة الرواية العربية . وحين سألتني سلمى الخضراء الجيوسي عن روايات للترجمة وروائيين لترشيحهم لجائزة نوبل اقترحت عليها ان تقرأ " سينالكول " .
" سينالكول " رواية من أجمل الروايات عن المجتمع العربي اللبناني . إنها ليست رواية عن الحرب الأهلية وحسب ، إنما هي رواية عن الطعام والعادات والعلاقات الاجتماعية والأخوة و ..و .. وهي رواية متقدمة فنيا .
قبل أن أقرأ " أولاد الغيتو ... اسمي آدم " ( 2016 ) تساءلت : ما الذي يدفع الروائيين العرب للكتابة عن الغيتو ؟
خدعني العنوان وقرأته قراءة قبلية - بفتح فسكون - ولما قرأت الرواية قرأت عن غيتو الفلسطينيين في اللد في العام 1948 وأدركت أن العلاقة بين العنوان والنص علاقة لا تنتهي إلا بانتهاء قراءة الكتاب .
ستشدني الرواية وسأكتب عنها سلسلة مقالات في جريدة " الأيام " الفلسطينية ، وسيضيق صدر بعض القراء ذرعا كلما واصلت الكتابة ، فأنا أكتب مقالا أسبوعيا يجب أن أنوع فيه ، واقترح علي رئيس التحرير القاص أكرم هنية أن أكتب مقالات أخص بها صفحات الثقافة في الأيام وسيتبرع هو بنشرها . ولكني واصلت النشر في زاويتي وأخذت أنوع في إثارة الأسئلة ، وهذا جذب القراء ودفع رئيس التحرير إلى غض النظر .
لم أستطع شخصيا ترك الرواية لكثرة الأسئلة التي كانت الرواية تفجرها . لقد استثارت في قراءاتي منذ كنت طالب بكالوريوس في قسم اللغة العربية - أي منذ تخرجي في 1976 ، ولسوف تعيدني الأسئلة إلى مخزوني النقدي الذي لم أتوقف يوما عن رفده بكل جديد بخاصة أنني أدرس في الجامعة مادة النقد الأدبي الحديث منذ 1991.
وسأربط بين الرواية وبين نصوص أدبية فلسطينية وعربية و إسرائيلية وعالمية وهو ما سيلاحظه قاريء هذا الكتاب .
لم أتبع في الكتاب منهجا نقديا محددا . لقد أفدت ، كما ذكرت ،من قراءاتي النقدية المتواصلة والمستمرة ولا أظن أن ما سرت عليه سار عليه ناقد عربي من قبل .
لا أدعي أنني أتيت بما لم يأت به الاوائل ، ولكني أزعم أن هذا الكتاب فريد من نوعه في النقد الأدبي العربي المعاصر ، وهذا لا يعني بالتأكيد أنه الأفضل ، فقد يكون الأسوأ . إنما هو كتاب يوظف كما كبيرا جدا من المقولات النقدية التي شاعت في القرنين التاسع عشر والعشرين ، بل وفي القرن الحادي والعشرين .
وسأترك أمر تقييمه للقراء . قد يروق لهم وقد لا يروق . في الحالتين أنا شاكر لهم .
لطالما قلت إن إلياس خوري يلعب وهو يؤلف رواياته منذ " مملكة الغرباء " . لألعب أنا نقديا أيضا .
الكتاب في قسمه الأول يضم كتابات عن " يالو " و " كأنها نائمة " و " سينالكول " ، وفي قسمه الثاني يقرأ " أولاد الغيتو .. اسمي آدم " ويثير اسئلة عديدة تثيرها الرواية العربية بكثرة في السنوات الأخيرة ، ولن يقرأ قاريء الكتاب كتابة تنحصر في روايات إلياس وحسب ، إنه - أي القاريء - سيقرأ كتابة تأتي على روائيين فلسطينيين وعرب أيضا ، ولهذا آثرت أن يكون عنوان الكتاب " أسئلة الرواية العربية ".
لعلني أكون أصبت وان هو إلا اجتهاد .

2017 / 5 / 13
صدر الكتاب عن دار الآداب في بيروت

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى