حسام الدين مسعد - لماذا من حولك أغبياء ! قراءة في مسرحية ( مزاد علني )

حين شرعت في مطالعة نص «مزاد علني » للكاتب عمار نعمه جابر ، تذكرت كتاب في التنمية البشرية عنوانه « لماذا من حولك أغبياء » كان الكتاب يناقش ، لماذا نري الآخرين في بعض المواقف اغبياء ! ويدعونا لأن نضع انفسنا في موقفهم ، قبل الحكم عليهم بالغباء .
هذا ما جعلني ، كرجل عربي ، ان يضع نفسه محل «ا لزوجة » بطلة نص «مزاد علني » للكاتب عمار نعمه جابر. هذه الزوجة التي بلغ بها العبث ، ان تعرض زوجها للبيع في مزاد علني ! ضاربة بالتقاليد والاعراف والشرائع السماوية ، وغير السماوية ، عرض الحائط ، بل إنها تتباري في العبث من خلال التسويق لبضاعتها ، فيما بعد البيع ، وفي حوار يخلط العبث بالواقع ، او بالأحرى في واقعية سحريه ، يسترقنا الكاتب الذي استهل نصه بصدمة أو مفارقه للقارئ العربي ، ذو الأعراف والتقاليد ، التي جعلت من مجتمعه هذا مجتمع ذكوري الهوية ، تأتي فيه المرأة ممثلة في الفتاة والزوجة والأم ، في مرتبة تلي الرجل . فيصدمنا الكاتب بهذه الزوجة التي تفتتح مزاد علني لبيع زوجها . لكن الزوجة في مزادها العلني ، لا تذكر عيوب بضاعتها ، أو الاسباب التي دفعتها لبيع زوجها ، سوي أنه لم يعد منه نفع ، وإذا وضعنا انفسنا محل هذه الزوجة ، وتسائلنا عن ماهي الدوافع التي قادتها لهذا الفعل العبثي ؟ ولماذا استكانة وجمود الزوج أو السلبية التي قصدها الكاتب ؟ فأنه يتحتم علينا ان نتذكر ، جدلية السيد والعبد ل(هيجل) والذي يفترض فيها ، أنه عندما يصبح السيد عبدا للعبد ، ويصبح العبد سيدا للسيد ، وبذات سلاح القهر فإننا نصبح أما جدلية السيد والعبد ، وهذا ما طرحه عمار نعمه في نصه مزاد علني . انها جدلية الزوجة في المجتمعات الذكورية ، حيث استطاع أن يرمز بالمزاد العلني ، علي غرار الاسلاف في "سوق الرقيق" الذي أصبح نخاسته تسيطر عليها امرأه ، تتحكم في مصير رجل ، في مجتمع ذكوري ، مما يجعل القارئ يغوص في عبث الفكرة ، ويتجادل معها جدلية السيد والعبد ، لكننا نبحث في دوافع الزوجة ، التي تطرح زوجها للبيع في مزاد علني ، فهل تعرضت للقهر؟ وما هو سلاح القهر ؟
إن عمار نعمه جابر اكتفي بالحوار العبثي ، ولم يوضح لنا ما هية دوافع هذه الزوجة ، في بيع زوجها ، سوي قولها أنه لم يعد يجدي نفعا ، وأعتمد علي أيدولوجيات القارئ ، الذي يعلم ان نظام الزواج في المجتمعات الذكورية أو العربية لم يتحرر بعد من سيطرة التجارة والبيع والشراء لم يتحرر نظام الزواج من كونه سلعة ، كأي سلعه ، وهذا هو سلاح القهر بالنسبة للمرأة في المجتمع الذكوري ، وهذا هو الدافع الرئيس في جدلية الزوجة والزوج ، الرجل والمرأة ، السيد والعبد .
إن ما طرحه عمار نعمه جابر ، من جدلية السيد والعبد ، لهو امر فلسفي بالغ التعقيد ، إلا أن الزوجة في نهاية النص تتجادل مع نفسها ، ويبلغ ميزانها التساوي في لا مبالاة صريحه ، وتمنحه هديه لزوجة اخري ودون مقابل ! وكأن الزوج أو الرجل لم يعد يمثل لها أية قيمه ، فقررت ان ترتقي بنفسها ، لتحدث التوازن النفسي ، لتظل سوية كما أراد لها المؤلف .
إن عمار نعمه جابر لم يحدد الزمان والمكان في نصه ، ولم يشير إلي ملامح الشخصيات ، لكن هذا التجهيل كان امرا محمود ، إذ جعل القارئ يتجادل مع الفكرة الأساسية ، التي ابتناها الكاتب ليوضح لنا معاناة المرأة في المجتمع الذكوري ، والي اي مدي قد نصل ان لم نتدارك الأمر .
لقد قدم لنا عمار نعمه جابر صدمة عبثيه ، وصرخة استثنائية للمرأة في مجتمع ذكوري .


_ الناقد حسام الدين مسعد / مصر

22/5/2020

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى