ألموج بيهار - خمس سنوات على "روح جديدة"

قبل خمس سنوات، في نيسان 2011، قمنا كمجموعة من بنات وأبناء سلالة
المجتمعات اليهودية في العالم العربي والإسلامي، في المشرق والمغرب، بنات
وأبناء الجيل الثاني والثالث من (اليهود) الشرقيين في إسرائيل، بنشر
رسالة مفتوحة لبنات وأبناء جيلنا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحت إسم
“روح جديدة” (التي حملت الاسم ذاته بأحرف عبرية أيضاً)، ذلك في أعقاب
الأحداث التي تتالت مع بداية ما سمي بالربيع العربي. لقد نظرنا بانفعال
شديد للدور المركزي الذي لعبه بشجاعة كبيرة الرجال والنساء أبناء جيلنا
بأنحاء العالم العربي، في المظاهرات والاحتجاجات، من أجل الحرية
والتغيير، وشعرنا بتعاطف وأمل كبير تجاه الثورات التي أسقطت الأنظمة
الإستبدادية في تونس ومصر. كما نظرنا بألم كبير الى إزهاق الأرواح بالحرب
الأهلية في سوريا وأماكن أخرى.
أملنا بأن يمثل احتجاج أبناء جيلنا ضد القمع والأنظمة المستعبدة
والإستغلالية، بالإضافة الى رفع مطلب التغيير، الحرية وإنشاء الأنظمة
الديمقراطية التي تتيح المجال أمام مشاركة المواطنين في العمليات
السياسية، أن يمثل لحظة دراماتيكية بتاريخ الشرق الاوسط وشمال أفريقيا
التي تمزقت منذ أجيال بين قوى مختلفة، خارجية وداخلية، طمست الحقوق
السياسية، الاقتصادية والثقافية لمعظم المواطنين.
أردنا ان نعبر عن هويتنا كيهود-إسرائيليين من ذرية المجتمعات اليهودية
التي عاشت بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا طوال مئات وآلاف السنوات، وعن
شراكتنا مع التاريخ الديني، الثقافي واللغوي للحيز الشرق اوسطي والشمال
أفريقي، ولو أنه يبدو بأنه تم “نسياننا” كأبناء لهذا التاريخ: أولاً
بإسرائيل التي تتخيل نفسها كمن تتواجد بين أوروبا وشمال أمريكا: وثانياً،
بالعالم العربي والذي يبدو بأنه يقبل بكثير من الأحيان التقسيمة القائمة
بين اليهود والعرب ومحاولة تصوير اليهود كأوروبيين، ويفضل اقصاء تاريخ
اليهود-العرب كفصل هامشي في ماضيه او كشيء لم يكن قائماً بيوم من الأيام.
يجب ان نعترف بأن ماضينا أصبح في طي النسيان أيضاً داخل المجتمعات
(اليهودية) الشرقية نفسها، في إسرائيل وفي أنحاء العالم، ففي أعقاب
الكولونيالية الغربية، القومية اليهودية والقومية العربية، خجل الكثير
منا بالماضي المشترك بيننا وبين الشعوب العربية.
أملنا بأن تشكل حراكات الربيع العربي مرحلة انتقالية لظهور جيل جديد
بالتاريخ الشرق اوسطي والشمال أفريقي، كما أملنا بأن تجلب هذه الحريات،
العدل، والتقسيم العادل لموارد المنطقة، كما توجهنا لبنات وأبناء جيلنا
في العالم العربي والإسلامي طامحين بحوار صريح يقدر على احتوائنا ضمن
تاريخ وثقافة المنطقة.
عبرنا عن موقفنا بأننا نعيش في إسرائيل تحت حكم يدعي التنور والديمقراطية
لكنه لا يمثل أجزاء واسعة من سكان الدولة، إن كان في الأراضي المحتلة أم
داخل الخط الأخضر، يطمس الحقوق الاقتصادية لمعظم السكان، يتواجد بعملية
تقويض للحريات الديمقراطية، ويبني الجدران العنصرية مقابل ثقافة الشرق
اليهودية والعربية. كما أشرنا الى الصلة بين نضالنا، كشرقيين في إسرائيل،
وبين النضال الفلسطيني ايماناً منا بأن نضالنا من أجل الحقوق الإقتصادية،
الإجتماعية والثقافية يعتمد على الادراك بأن التغيير السياسي لا يمكن ان
يستند الى الدول الغربية العظمى التي استغلت منطقتنا وسكانها طوال أجيال.
التغيير يجب ان ينبع من خلال حوار داخلي على مستوى المنطقة، ومن خلال
التواصل مع النضالات المختلفة التي تتم بالدول العربية، وبشكل خاص مع
نضال الفلسطينيين مواطني إسرائيل من أجل الحقوق السياسية والاقتصادية
المتساوية داخل دولة إسرائيل ووقف اقصائهم العنصري، ومع نضال الفلسطينيين
في الضفة وغزة اللذين يعيشون تحت احتلال عسكري ومطلبهم لإنهاء هذا
الاحتلال والاستقلال.
اليوم، بعد أكثر من خمس سنوات منذ ان أحرق محمد البوعزيزي نفسه في تونس
ب- 17 كانون أول 2010، وأشعل من خلفه موجة من الاحتجاجات في العالم
العربي، الوضع في تونس ما زال يبشر باحتمال إنشاء نظام ديمقراطي مستقر.
في المقابل، إزهاق الأرواح بالقتال المحتدم في سوريا، على القتلى الكثر
وملايين اللاجئين، يستمر بإثارة الحزن الشديد على سفك الدماء وعدم القدرة
على وضع حد لدائرة العنف وإرساء تسوية سياسية عادلة وديمقراطية تضمن
تمثيل أبناء الشعب السوري في الحكم، وعلى غياب الدعم الدولي الكافي
لمعاناة الشعب السوري.
الى جانب هذه، الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني المستمر، وتصويره بأحيان
كثيرة في الوعي الإسرائيلي، العربي والعالمي كصراع إسلامي- يهودي، يستمر
في تعزيز عملية محونا، نحن اليهود العرب، من الذاكرة التاريخية ويطمس
أكثر من ألف عام من العلاقات العميقة، اللغوية، الثقافية والدينية أيضاً
بين الإسلام واليهودية.
بالذات في هذه الأوقات، عندما يعتبر العداء بين اليهود والمسلمين كأمر
طبيعي وقديم، من المهم بأن نؤكد بأن آبائنا وأمهاتنا ساهموا في تنمية
ثقافة المنطقة وكانوا جزءاً لا يتجزأ منها. التأثيرات الكبيرة المتبادلة
بين الثقافة اليهودية والعربية تعرضت لمحاولات شديدة لمحوها على مدى
الأجيال الأخيرة، في العصر القومي للقرن العشرين والفصل الذي خلقه، ولكن
ما زال بالإمكان ملاحظة آثارها بمجالات حياتية كثيرة من بينها الموسيقى،
الصلاة، اللغة والأدب. بالنسبة للكثير منا، الشرقيين في إسرائيل، ثقافة
الدول الإسلامية والشعور بالانتماء للمنطقة هي جزء لا يتجزأ من هويتنا.
حبذا لو يكون أبناء جيلنا، بكل أنحاء العالم العربي، الاسلامي واليهودي،
أبناء جيل يرمم الجسور ويترفع عن الجدران والعداء الذي ساد بين الأجيال
السابقة، ليجدد الحوار العميق، الذي لا نستطيع ان نفهم أنفسنا بدونه، بين
اليهود، السنة، الشيعة والمسيحيين، بين العرب، الأكراد، الأمازيغ
(البربر)، الأتراك والفارسيين، بين الشرقيين والأشكنازيم، بين
الفلسطينيين والإسرائيليين. حبذا لو تذكرنا أبناء الأجيال اللذين وقفوا
بالماضي على المفترقات التي تربط بين اليهودية والإسلام، بين الثقافة
اليهودية والثقافة العربية، وتركوا لنا ميراثاً غنياً.
حبذا لو ننجح كأصحاب ماضي مشترك للتطلع الى المستقبل بشراكة أيضاً. فقط
حوار داخلي على مستوى المنطقة، يسعى الى ترميم وتأهيل ما دمر بالأجيال
الأخيرة، ممكن ان يكون المفتاح لتجديد نموذج الشراكة
الإسلامية-اليهودية-المسيحية بالأندلس، بإذن الله، ولشراكة ثقافية
وتاريخية لبلادنا. نحن نصادف الكثيرين من العالم العربي والإسلامي
المعنيين بخلق هذه الصلات وبتذكر التراث اليهودي لبلادهم، مثلاً، في
المغرب، مصر، اليمن والعراق.
اذا ما نجحنا بتشكيل روابط بين الصلة الثقافية العميقة القائمة وبين
الصلة الدينية اليهودية-الإسلامية العميقة أيضاً ولكن المخفية، من أيام
الراب سعاديا جؤون والراب موشيه بن ميمون وحتى أيامنا، وأن نربط هذه
أيضاً بمطلب التقسيم العادل بمجتماعتنا، المواطنة الديمقراطية المتساوية
والتحرر من القمع والإحتلال، سيكون بإمكاننا طرح أجندة جديدة ببلادنا
وبالمنطقة كلها تعتمد على العدل، المساواة، الاحترام المتبادل، التسوية
التاريخية والسلام.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى