يدر الحيدر - س.. ايها الرجل المسكين.. قصة قصيرة

الفضاء الذي يلف منصةالمسرح يحيطه ضوء فيضي هائل يحجب رؤية ما فوق الخشبة
من تراكيب وشخوص واحداث .. أو أدوات اعتادها المختصون في تكوينات المسرح ،
او( شئ غيرتلك الادوات ) بالتأكيد ،
على انها لا تومئ اوتدل بإشارة لزمان او مكان معلوم ، إذ ليس لهما من وجود او وضوح في مدى الرؤية المحسوسة .
فأقصى ما كان ممكنناً إبصاره ذلك الفضاء المكشوف امام تلك المنصة اوالهالة النورانية الساطعة وهي : صفوف متراصة مترامية الاطراف لا نهاية لها مثلما هوالشعاع ،
ربما تدل على قاعة بلا سقف و كراسي ، جوها يتحمل ضيق حر القيظ وبرد الشتاء معاً ، وهدوء غاضب لم تألفه اذن بشرية من قبل ، لحشود من خليط عجيب ، في انتظار ( المعجزة ) وقوفاً لا قعودا ،بإستثناء من مدَّ ساقيه في عربة متحركة بإطارين صنعت لمن استغنت عنه قدماه .
وقف ( س) في حيرة من امره وهو يتمعن مشهداً لا يمكن رؤيته الا في عالم الغرائب والاحلام.
الميمنة يحجز مقدمتها رجال بان بريق الشيب في مفارقهم بلمعان لا يضاهيه إلا لمعان رؤوس من يجاورهم في تلك الصفوف ممن اسقط الدهر عنهم ما يذكرهم بأيام الصبا والشباب .
رؤية الرجال بتلك الصورة كان يوحي بأنهم اقوام من عصور غابرة بشهادة ازيائهم .
لم يكن في مقدور (س) رؤية وجوههم فالمشهد الذي يقف عنده لا يُظهر سوى اكتافهم ..
ولعل لهذه الاكتاف حكايات تحمل من الاعباء ما ثقل .
اما النساء العجائز اللائي كن قد حشرن في ذلك الحشر المقدس فلا تسمع منهن صراخاً
او تذمرا ًاونداء استغاثة اوعبارات شتم ( لا سامح الله ).
بقي (س) مذهولاً امام تلك الهالة من الشعاع في ذلك المكان الأهيب الأقدس العجيب ...
وخاطب نفسه بعبارة جاهل يبحث عن جواب معقول :
ترى اهذا المشهد لمتقاعدين من رجال ونساء في الخريف الاخير من اعمارهم ، قدموا من اصقاع بعيدة لأزمنة مضت كي يتسلموا ما تبقى لهم من ( وسخ الدنيا )
إذ ذاك همس (س) في اذن اصم لا يسمع :
اين هؤلاء من اولئك الذين رضي الله عنهم وارضاهم ؟ !
فجاءه الجواب موبخاً : ترى ما حكايتك ايها الرجل المسكين ؟

.........
حيدر الحيدر/ بغداد
2 / 2 / 2008



أعلى