أمل الكردفاني- إشكاليات في الإلحاد..(١)

أنتج الإلحاد دينه الخاص، وهكذا فقد أهم عناصر مرونته وهو اللا محدودية والإنفتاح..
سأناقش بعض صور (الإلحاد الديني) في هذه السانحة القصيرة وسأبدأ بالنقاط التالية:
- يطرح الملحدون قضاياهم من خلال انتقاد -وليس نقد- المنتج الديني، وهذا أول خلط يقع فيه الفكر اللا ديني، (إنني أفضل مصطلح اللا دينية على الإلحاد لأسباب بينتها في مقال قبل سنوات).. وهذا منهج إشكالي جداً، كما انه كلاسيكي. وفوق كل ذلك فهو يعترف بالدين كدين وليس كمنتج بشري. فانتقاد التراث الديني وانتقاد القوانين الدينية وخلافه يعني الإعتراف بأن الدين منتج مفارق للبشر. وهذا ما يناقض به اللا ديني فكرة اللا دينية نفسها. إذ أن الحديث عن عمليات إبادة اليهود المثبتة في التوراة، أو الجرائم التي اقترفها المسيحيون منذ بداية تحول المسيحية لامبراطورية، لا تؤخذ في سياقاتها البشرية، كحالة طبيعية، وإنما تنسب للدين نفسه. وهذا اعتراف بذاتية الدين واستقلاله عن المعطى الإنفعالي للبشر.
ينتج ذلك -بالإضافة للاعتراف بالدين- إلى أن يجد المفكر اللا ديني نفسه في مواجهة التاريخ. إذ أن القمع (البشري البشري) لم يقتصر على الدوافع الدينية، فأغلب الآيدولوجيات مارست ذات القمع. هذا يفضي إلى عدم فهم واقعنا الإنساني وتمأسسه على الصراع.
إن الصراع أنتج أعظم منتج وهو القانون. والصراع نفسه أنتج أعظم منتج وهو القوة الإقتصادية، والصراع هو نفسه الذي طور جميع أسلحته -ومن ضمنها الدين- باستمرار لضمان السيادة القانونية والإقتصادية، وهكذا تطورت العلوم كنتيجة لازمة لكل ما سبق.
بذلك نكون قد وضعنا الدين في موضعه الصحيح، وبالتالي دراسته وبحثه على نحو منهجي مقارن داخل الحراك التاريخي للمنظومات البشرية، أي كجزء، كفلسفة، كنظرية وكسلاح. أما تكتيل الدين ومقاسمته بعالم اللا دين فلا قيمة مستقبلية له، لا للا دينية نفسها..ولا لمعالجة الإشكاليات التي تواجهنا كبشر بعين بصيرة.
علينا ألا نفصل الوقائع الدينية عن الوقائع التاريخية.. ودعنا نضع تلك التقابلات تحت جدول واحد

الواقعة الدينية | الواقعة اللا دينية

١- تدمير برج | قصف ملجأ العامرية
التجارة العالمي| في العراق

٢- سبي | السبي البابلي
الأزيديات من | تجارة الجنس
من قبل داعش | اغتصاب النازيين
| لليهوديات

٣- الحروب | الحروب السوفيتية
الصليبية و | الغزوات الأمريكية
الغزوات | غزوات المغول
الإسلامية | غزوات الإسبان...الخ

٤- العقوبات | العقوبات الوضعية
الدينية |

وهكذا.. يمكننا ان نستمر في جدولة مقارنة لنكتشف بأن الدين لم يتجاوز المستوى الإنساني ولم يحلق فوقه أبداً، وفي المقابل، فإننا لم نستطع كبشر أن نتجاوز الحقيقة البشرية، لأننا اولاً نرفض الاعتراف بها.
لقد كان هناك فيلسوف واحد استطاع بعد مجهود كبير بلوغ ذلك التجرد الذي نقلنا من عالم المثل الأفلاطوني، إلى عالم نيتشه. رغم ذلك لم يكن ذلك التخلص سهلاً، بل ربما أضحى شديد الصعوبة اليوم، إذ تتكرس القضايا الأخلاقية كمسلمات، لتستخدم -هي نفسها- كأسلحة في الصراع. إذ لم يستطع العالم تجاوز ذلك الشعور بالذنب المفضي لتناقض القول مع الفعل.. إن اللادينية حتى اليوم تقف موقفاً مخزياً عندما تكون ضعيفة في اكتشاف الواقع، بل ولتنضم بنفسها كأداة صراع، رغم أن هذه ليست ماهيتها ولا جوهرها ولا سبب اقتناع اكثر من مليار بشري بها..ليس من مهام اللا دينية هو الإنضمام كطرف بل تحقيق أهم غايتين:
اولا: اكتشاف العالم..
ثانيا: منح الآخرين مزيداً من خياراتهم الواعية.
لا يجب على اللا دينية أن تتحول هي نفسها إلى دين.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى