محمد عيد إبراهيم - رحلة الرأس.. شعر

أُرَكِّبُ رأسَ حِمارٍ على رَجُلٍ، مِثلَ نَزَواتِ جويا، ثم يغلِبني النُّعاسُ، أعباءٌ مُرهِقَةٌ كأنّي قَيصَرُ مَجنونٌ استَعمَلَ شَعبَهُ كَغَزالةٍ فاسِقَةٍ في تلافِيفِ أعماقِهِ. حَولَ أعضائي مُتَوَحِّشٌ ذو ريشٍ من الطُغْمَةِ لَفَّ رَقِيباً على عقلي النائِمِ، قِيلَ "إن هَجَعَ العَقلُ بانَت المَساخِيطُ". من بابٍ لبابٍ تَتَبَدّى شَمطاءُ في مِهنةِ الغَزَلِ فوقَ دمي تُلاحِق دُمىً في مَعبَدٍ سُداسِيٍّ بموسيقَى ماجِنةٍ لا تَرحَمُ. أختَبِئُ قليلاً خِشيةَ قُبلَةٍ عَطشَى.
.
ساقِيَةٌ على قلبي المِسكينِ، تَطحَنُ ماءً كالدماءِ. يا بلادي إنّي سَرَقتُ ابتِسامَةً، إنّي بدونِ ضَمِيرٍ، أقطَعُ بأسناني نَسِيجَ العامِلِينَ، أُبَعثِرُ حَصادَ الزارعِين، أَهَبُ الأطفالَ عُلَباً فارغةً فيها بودرةُ البارودِ، وأَسْلَخُ من عُمرِ النساءِ جِرارَ شَهوَتِهنّ إلى الهوَى، كالوَغدِ مَيَّالٌ للنَّهِيقِ في صَحائِفِ الكَتَبَةِ، يا بلادي التي تسكُنُ النيلَ، لا ماءَ بالنيلِ، لا خبزَ أو عقلَ يَحتَكِمُ إلى عَقلٍ، أنسَخُ آلهتي تُيوسَاً، بِمَكِيدَةِ كاهِنٍ غَبيٍّ.
.
أنا الكاهِنُ الغَبيُّ. لا أعرفُ شَيئاً. لا أسمَعُ شَيئاً. رأسي فوقَ شَجرةٍ والقِطافُ حانَ. لكني كَقَرارِ الموتِ قاتِلٌ ماهِرٌ بلِسانٍ من عَسَلٍ "الوقائِعُ ليسَت ذرائِعَ"، أَسْحَنُ الدواءَ ملفوفاً بعاهاتِكم، والطِبُّ يجعَلُني مَلاكَاً بشَجرةِ نَسَبٍ عَرِيقٍ تَخِفُّ إليهِ الجَماهيرُ في يأسٍ، والعَمَى يتَخَبَّطُ من صُعودي وأنا أنسَخُ أشباهاً يركَبون مِكنَسَةً فتَرَونَها عَصا المُلْكِ، أنا المَلِكُ المالِكُ العَجِيبَةُ المَسخُوطُ بِحَبْلٍ واحدٍ أَلهو، فلا تَستَيقِظوا...
.
يا بلادي، آخُذُكِ كَغَسَّالةٍ منسِيّةٍ في رُكنِ بدرومٍ، بثَوبٍ أسودَ، فَوقَ صَدرِها زَهرةٌ بيضاءُ. يا بلادي، هذا الرأسُ يُرهِبُ روحي أن تُلامِسَ قَدَمَيكِ على شاطئ الحياةِ، وإن أُحِبُّ أن أضحَكَ، فاستَعمِلي الحِمْضَ يا مَن تَشتَهِينَ القِيامَةَ، هذا آخرُ القَولِ، هذا أولُ الحُلمِ، وَفْقَ قانونِ رَقصَتِكِ الأبديّةِ، هاتيَ المَشبُوهَ في كِيسٍ وضُخِّي عليهِ الوَسَخ، لن يكونَ حَرِيقٌ بغَيرِ عذابٍ، ولا عندليبَ بغَيرِ شَوكَةِ دم.
.............................
(*) من ديوان (السندباد الكافر)/ دار الانتشار، 2009
أعلى