نزار حسين راشد - الرواية القصيرة والرواية الطويلة هل هما نوعان أدبيان مختلفان؟

توماس كلايتون وولف، روائي أمريكي، كتب روايتين طويلتين، من وحي سيرته الذاتية:

أيها الملاك تطلع باتجاه بيتك، ورواية:

الوقت والنهر!

وولف لم يكن يعرف كيف يتوقف حين يمسك بالقلم، مما اضطر ناشره ماكسويل بيركنز، اضطر إلى حذف فصول طويلة من رواياته لتخرج بحجم معقول ومقروء.

ولو حاولنا سبر السر وراء هذا الإسترسال،فمن واقع قراءتي لكتاباته،أرى أن شاعريته المفرطة تقف وراء هذه الإستطالة،فهو يحاول تركيب الصورة الواحدة المرة تلو المرة،حتى يلفت نظره ناشره:لقد قلت ذلك من قبل!

يرى النقاد أن التركيز والتكثيف،والتلميح دون التصريح وترك الباقي لذكاء القاريء ومخيلته،تتمخض عما يسمى بالرواية القصيرة والتي من أبرز امثلتها:موت في البندقية لتوماس مان،والشيخ والبحر لإرنست همنجواي،ولم ينتقص ذلك من إمكانياتهما الإبداعية،فهل نحن أمام أسلوبين في تناول الحدث ،الإستطراد أو الإيجاز،ولعلهما سمتان او خصيصتان تتعلقان بالكاتب نفسه من ناحية ومن ناحية أخرى بتركيب الرواية نفسها من ناحية عدد الشخصيات أو تزاحم الأحداث،فغالباً ما تدور الرواية القصيرة حول محورٍ واحد أو شخصية مركزية واحدة،ومرة أخرى الشيخ والبحر لهمنغواي،أو حتى روايته الأخرى:ثلوج كليمانجارو،فهل هذا التفسير النقدي كافٍ للتمييز بين لونين أدبيين :الرواية القصيرة ومقابلها الطويلة،رغم أنهما تندرجان تحت النوع الأدبي نفسه:الرواية؟!

الاستطراد سمة مألوفة في الكتابات الموسوعية العربية،وخاصة التاريخية منها،فهي تسرد أحداث التاريخ لتعرج على فروعه،وتنتقل إلى متعلقات الحدث وتفرعاته،لتعود مرة أخرى إلى أصله،فهل يجري ذلك على السرد الروائي؟

بدرجة أو بأخرى نعم،لأن الحدث الروائي لا يتجرد من بعده التاريخي،حتى لو كان خيالياً أو افتراضياً،فلا بد له أن يستعير صفة التاريخ،ليكون مقنعاً،وكأنما يروي حدثاً حقيقياً،وهذا ما تمليه في كلتا الحالتين،حضور شخصية الراوي أو الحاكي،فلا رواية من دون راوٍ!

ولعل من أبرز الأمثلة على الرواية القصيرة في الرواية العربية،روايات غسان كنفاني،أم سعد،ورجال في الشمس،ورواية أنت منذ اليوم للأردني تيسير السبول،وجميعها كانت ولا تزال موضوع حفاوة،من القراء والنقاد على حدٍّ سواء.

بينما ترتفع خماسية عبد الرحمن منيف ،مدن الملح،شاهداً بارزاً على الرواية الطويلة.

فهل يشكل موضوع الرواية عاملاً جاذباً،كونها تخاطب وعي القاريء ومجالات اهتمامه!

في الحقيقة فإن الإجابة على هذا السؤال تقف بين نعم ولا،فحين كتب دوس باسوس ثلاثيتهu.s.a

كان من الواضح أنه يدغدغ عواطف القاريء الأمريكي،ولكنه في الوقت ذاته يثير فضول القاريء غير الأمريكي،ويقدم له المتعة،حتى وإن لم يكن معنيّاً مباشرة بالموضوع،والسر وراء ذلك هو البعد الإنساني الذي يحمل الرواية إلى خارج المحدد القومي أو الإجتماعي،فليس موضوع القضية الفلسطينية أو واقع التشتت العربي الغاشم،هو سر جاذبية غسان كنفاني،ولكنه البعد الإنساني العميق للمعاناة التي تمخض عنها هذا الواقع!

وحين يمسك الكاتب بقلمه فلن يحد من جموحه شيء،سوى خياراته ذاتها!وتبقى المحددات الخارجية أمراً ثانوياً يضع الأطر ولا ينفذ إلى جوهر العمل الروائي ذاته.

نزار حسين راشد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى