محمد بنطاهر - في علاقة الخطاب السياسي والخطاب الفلسفي : اطروحات ماركس وانجلس

بدءا من الأطروحات التي كتبها كارل ماركس (1818-1883) حول فيورباخ (1804-1872)، والتي ترجع إلى سنة 1846، طرح الارتباط العضوي للمعرفة والإنتاجات النظرية بالحياة الاجتماعية والممارسة العملية؛ إذ تؤكد تلك الأطروحات أن التصورات الفكرية والنظريات الصوفية نفسها، ومهما كانت مجردة، فإن معناها ودلالاتها ومغزاها يتأسس على الممارسة، و يتجذر فيها. ونقرأ في الأطروحة الثامنة، مثلا، ما يلي: "إن الحياة الاجتماعية عملية بصورة جوهرية. وإن جميع الأسرار التي تنحرف بالنظرية في اتجاه الصوفية تجد حلها العقلاني في الممارسة الإنسانية، وفي فهم هذه الممارسة"(1).
لا يخرج التفكير النظري، إذن، عن كونه نشاطا إنسانيا. ولا يمكن النظر إليه منفصلا عن النشاط العملي والممارسة الاجتماعية للإنسان. وبهذا المعنى يمكن التفكير في ارتباط نمط فكري محدد، وهو الفلسفة، بممارسة عملية معينة، وهي السياسة. فها هنا نجد "فكرا" و"ممارسة" لم ينفكا عن التفاعل والارتباط:
ـ تاريخيا: إذ سار تاريخ الخطاب الفلسفي سيرا سياسيا، بتفاعله مع تحولات وصراعات المجتمع والتاريخ، ولأن خطاب الفلسفة كان تدخلا سياسيا في تلك الصراعات..
ـ بنيويا: إذ شكل الموضوع السياسي- الأخلاقي عنصرا بارزا في بنية ونظام الخطاب الفلسفي.
لنفكر هنا في بعض الحالات:
كان أفلاطون (347-429 ق.م)، في آن واحد، الفيلسوف الذي يتأمل "المثل"، والذي يناصر سياسة "الجمهورية" ويرسم نظامها السياسي، والتربوي والأخلاقي..
ولم يؤلف كنط (1724-1804) كتاب نقد العقل الخالص خالصا وبعيدا عن الحياة السياسية. وحتى وإن كان قد اعتاد ملازمة بيته، فقد أعجب إعجابا شديدا بالثورة الفرنسية..
وهيجل (1770-1831) نفسه، فيلسوف المطلق وصاحب فينومينولوجيا الروح، كان أيضا صاحب كتاب مبادئ فلسفة الحق، وصاحب كتابات سياسية.. بل كان محررا لأول دستور ليبرالي في ألمانيا، حسب فرانصوا شاتلي(2).
وترتبط الكتابات الفلسفية المادية الجدلية لـماركس وأنجلز (1820-1895)، بالكتابات السياسية: البيان الشيوعي، ورسائل أخرى.
لعل هذه الحالات، وغيرها، هي ما جعل ف.شاتلي يؤكد بأن "تاريخا للفلسفة هو بالضرورة تاريخ سياسي"(3). إنه تاريخ تفاعل بين مقال الفلسفة ومجال السياسة: قولا وممارسة، وهو تفاعل ترتفع فيه القضايا والممارسات السياسية إلى مستوى التصور الفلسفي، أو تتحول الأطروحات النظرية داخله كي تتجسد في قول سياسي، وفي نشاط عملي- اجتماعي. وقد أصبح لفظ "الممارسة" مرافقا للتفكير النظري، و ضمنه الفلسفي، في الكتابات المعاصرة؛ إذ نجد عند "لوي ألتوسير L.Althusser" حديثا قويا عن الفلسفة كنشاط سياسي اجتماعي، فهي عنده صراع طبقي على المستوى النظري(4).
إن هذا التفاعل ذاته، بين الفلسفة والسياسة، قد عبر عن نفسه في حديث م.فوكو عن "نظام الخطاب"، وعن الآليات التي تكونه وتؤسسه وتحكم بنيته، وذلك بصياغته للزوج: حقيقة-سلطة. أليست الحقيقة "فلسفة"..؟ أليست السلطة " سياسة"..؟



مراجع
(1) كارل ماركس، أطروحات حول فيورباخ، ضمن الإيديولوجيا الألمانية، ترجمة فؤاد أيوب، ص651-654.
(2) ف.شاتلي، الوضع الراهن لمسألة تاريخ الفلسفة، ترجمة جمال الدين العلوي، مجلة آفاق، العدد 2، السلسلة الجدية، ص40.
(3) نفسه، ص41.
- (4) L.Althusser : Réponse à John Lewis, Maspero, 1973, p 41.



L’image contient peut-être : 1 personne, barbe
https://www.facebook.com/photo.php?...S3gAWu-ZMf44Nva97z89dww2RNt6xLTUsd0OLPUlE_Tqq
L’image contient peut-être : 1 personne, barbe et gros plan

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى