صباح محسن كاظم - أرشفة القصة القصيرة جدا.. تقديم لكتاب (مقاربات نقدية في اشكاليات القصة القصيرة جدا) لمؤلفه/ عباس عجاج

يبدو أن الجهد التنظيري حول التجريب والتجنيس وصيرورة القصة القصيرة جدا قد وصل لذروته من خلال المؤلفات النقدية, والمؤتمرات المتخصصة التي تؤصل, وترسخ توصيفاتها من خلال الإجراءات التطبيقية التي تعتمد المعايير الجماليّة والتقنيّة على نماذج من هذا القص القصير جدا.
ربما بعض من هؤلاء المنظرين العرب يعود بتأريخ ذلك قبل ما كتبت الفرنسية (ناتالي ساروت) من خلال فنون النثر العربي والتراث الرافدينيّ الرائد بهذا الميدان الذي يعتمد اللقطة التصويرية للحدث من خلال التكثيف والرمزية والمفارقة, يمكن لي القول: أن عصر العولمة, وعصر السرعة, والتكنلوجيا جعل المتلقي يهرع لقراءة هكذا نصوص مركزة بمحطات المترو والطائرات والسفر والحضر مُبتعدا خطوات عن الموسوعات, والمصنفات.
إن فن الأقصوصة ميزته عن الأنماط السائدة في القصة القدرة على الوصول للذروة من خلال المفارقة والمفاجأة والضربة الفنية (الساخرة أو المؤلمة) في صنع الحدث والمكان والزمان والشخصية بشكل موجز غاية بالحساسية المفرطة بالتركيز المختصر كالنص الشعري النثري المختزل عند من يتقن لعبة النص في إيجاز الإيجاز, فبنائية النص تعتمد الإيحائية والتأويل والإحالات وخرق المألوف بالانفعال الذي يتحكم به القاص الماهر والذي يسمى تخليق المفاجأة بالمغزى والمُرتجى من السردية القصيرة جدا.

في كتاب مقاربات نقدية في اشكاليات القصة القصيرة جدا - للقاص عباس عجاج - تناول بأبواب ومباحث مركزة الموضوعات التالية:
(الخطاب السردي للقصة القصيرة جدا, مفهوم المصطلح وإشكالية "جدا", اشكالية التجنيس, اشكالية الاختلاف حول المعايير التقنية, حجم القصة القصيرة جدا, قصص عالمي, انفعالات ناتالي ساروت).

كانت المباحث مٌشبعة بالرؤى, والأفكار, مدعومة بالأمثلة والإجراءات بنماذج مختلفة من القصة القصيرة جدا.

أكد "المؤلف " بالمقدمة: (الخطاب السردي للقصة القصيرة جدا - نظرة عامة:
لا شك أن الكتابة عامة ما هي إلا رسالة تساهم بربط حلقة التواصل مع الآخرين, ونقل المشاعر والأحاسيس والآراء, ولكل رسالة خطاب تتوجه به للمتلقي عبر تعابير محددة تعتمد على مهارات الكاتب, والسرد أحد تلك المهارات الموصلة لتلك الرسالة من خلال تفاعل مكونات الخطاب السردي فيما بينها (السارد –المسرود– المسرود له), وهذا المفهوم يرتكز على عاملين:
1- القصة, بما تضم من أحداث.
2- الطريقة التي تُحكى بها تلك القصة
وتفاعل تلك المكونات يعمل على نسج الخطاب وتكوينه.

إن المساحة الضيقة لفضاء البناء السردي في القصة القصيرة جدا وضعت الكاتب في معصرة افراز المهارات التقنية, واستفزاز ثقافته العامة المكتنزة للخروج بالنص إلى منصة الإبداع, مما دعا للخروج بتنوع وتمايز التجارب القصصية على مدى تاريخ انتشار هذا الفن القصصي.

فوحدات أساسية مثل المكان والزمان والشخصية والحدث تتبلور من خلالها عناصر البناء السردي, وتكاد تكون تلك الوحدات مقيدة وخاضعة لما تفرضه القصة القصيرة جدا من ضيق السعة المكانية للسرد, لكون النص لا يحتمل تعدد الأمكنة, وتفاوت الأزمنة, وكثرة الشخوص, وهذا ما لا يتوفر في أنواع السرد الأخرى, ولعل تلك الوضعية هي احدى أهم الخصال التي تتمتع بها القصة القصيرة جدا دون سواها, والتي نستطيع من خلالها اكتشاف مهارات الكاتب المبدع في ايصال رسالته المقتضبة, بوعي و إدراك فني من خلال تعاطيه مع أساليب ووسائل البناء السردي للقصة القصيرة جدا.

إن القصة القصيرة جدا هي لغة التواصل الدلالي, وثنائية المعنى بين القاص والمتلقي, فالتقريرية والخبرية لا مكان لها في هذا الحيز, ولا يعني قولنا هذا النفي المطلق للنص التقريري, والإخباري, فذائقية المتلقي هي القول الفصل في تقبل أو رفض النص...). هذا المدخل والمفتتح المتكامل والقراءة الدقيقة للقاص "عباس عجاج" توجز بدلالاتها على هذا الجنس القصصي القصير الذي تم فيه تحليل الأنساق الجماليّة بالقصة القصيرة جدا من خلال رؤى نقدية أكاديمية, ومن مارس الكتابة القصصية وخبر تجربتها.

لا ريب إن الاشتغال السرديّ القصير يحتاج مهارة فائقة في الاختزال اللغوي إلى حد ما, وهذا ما يتطلب الشعريّة الفائقة بالرمزية, والدلالة, فهذا الجنس (ق ق ج) معياريته التكثيف والمفارقة, لقد درست المنجز القصصي لكثير من الأديبات والأدباء مثل حميد المختار/ حنون مجيد/ إبراهيم سبتي/ هيثم الجاسم/ علي السباعي/ عباس عجاج/ وضعف تلك الأسماء... بصحف, ومجلات عراقية, وموسوعة الفنارات, فيما حللت القصة القصيرة لدى القاص حمودي الكناني ومريم الحسن - قاصة سعودية- بمجلة رؤى الليبية –المحكمة– الثيمة المشتركة لدى الجميع التكثيف والشعرية.

في فصل التجنيس (اشكالية التجنيس: اختلف الباحثون في تجنيس القصة القصيرة جدا, فمنهم من عدّها نوعا أدبيا كجاسم خلف الياس, ومنهم من ذهب إلى اعتبارها جنسا أدبيا كجميل حمداوي, وغيرهم, وكل منهم علّل قوله من زاوية رؤيته لمفهوم الأجناس الأدبية, ولا يغير ذلك من واقع حال القصة القصيرة جدا شيئا, لأن التصنيف بحد ذاته اشكالية قائمة, تعددت حولها الآراء والنظريات, بل إن التداخل بين الأجناس، دعا البعض للمناداة بإلغاء تقسيم الأدب إلى أجناس, وعد الأدب وحدة -مهما تنوعت صيغه وأساليبه وموضوعاته- وتعبيرا عن منشأه, فها هو بندتو كروتشي BENDETTO CROCE، (1866-1952) يقول: "لا تقولوا هذه ملحمة، وهذه غنائية أو هذه دراما، تلك تقسيمات مدرسية لشيء لا يمكن تقسيمه, إن الفن هو الغنائية أبدا، وقولوا إن شئتم هو ملحمة العاطفة ودراماها".).

لقد استعان "المؤلف" بكتابه المهم جدا عن القصة القصيرة جدا لما ورد من رؤى شافية وافية وكافية لكل متذوق ومن يمارس غواية الكتابة, فقد استقى الرؤى واستعرض وجوه الآراء العرب كالدكتور أحمد جاسم الحسين/ نبيل المجلي/ لبانة الموشح/ د. يوسف حطيني/ محمد محيي الدين مينو/ د. جاسم خلف الياس/ جعفر حيشي/ محمد كنوف/ محمد الخفاجي/ د. جميل حمداوي.. كما مرّ بالعراقي نوئيل رسام 1930 الذي ذكره بهنام بردى بنص (موت الفقير) جريدة البلاد 182 حزيران/ 1930 والملتقيات العربية في سوريا 18/2/2000, ملتقى ذي قار/ منظمة إدراك...
إن هذا السفر اضافة وتبويب وأرشفة للقصة القصيرة جدا حقق الهدف المنشود.


صباح محسن كاظم
ذي قار - 2020

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى