عبدالرحمن مقلد - عواء مصحح اللغة..

إلى رفاق السنوات القاحلة

تحملت رئتاي‮ ‬
آلاف الأطنان من الأتربة‮ ..‬
بعراجيني البالية‮ ‬
كنست مئات الأمتار‮ ‬
من الفضاءات الإلكترونية‮ ‬
حرثت الحلفا‮ ‬
وأقمت علي المقبرة،‮ ‬السياجَ،
ورويت من الدم الملوّثِ‮ ‬الحقلَ‮ ‬
فلم يبق إلا النبتُ‮ ‬الغريبُ‮..‬
هذه الأرض اليباب‮ ..‬
الهياكل الممسوخة أفرغت مثاناتها هنا
والذئاب العطنة ترعي‮ ‬
وأنا كأني الحمل الذي يقود القطيع
حريٌ‮ ‬بي أن أحرق الأخضر واليابس‮ ‬
وأركض حتي أتلاشي‮ ..‬
حري بي الآن
وأنا ابن الثلاثين كاملة
وأربي قديسةً‮ ‬في البيت‮ ‬
وابنًا ذا أفق واعد
ونرجسًا ينمو كل يوم‮ ‬
أن أتخلص من الهواجس المتتابعة‮..‬
وأخرج من طور السكينة‮ ‬
أنا مصحح اللغة الذي طالما‮ ‬
ابتلع لسانه وغطي فمه‮ ‬
حري به الآن أن يدفع الأبواب المغلقة‮ ‬
يدفعها‮ ‬
بكل أنفة وبذاءة
طالما حلمت أنا‮ ‬
ابن الحقول المتسعة‮ ‬
والنهر وروث البقرات الحاملة‮ ‬
وابن‮ "‬الحَنُّون‮" ‬المنتفخ بالسكر‮ ‬
أن يكون لي رفقة من الزرازير‮ ‬
وحُقٌ‮ ‬من الفازلين‮ ‬
ومحفة‮ ‬
وأغنيات دارجة‮ ‬
تنساب من راديو‮ "‬ترانيستر‮" ‬
ودراجة هوائية‮ ‬
ومحبوبة عابرة أقول لها‮ ‬
‮"‬يا أنت التي كنت سأحبها‮"(•)‬
أنا الذي طالما طاردتني النحلات‮ ‬
وصعدت شجرة التين لآخر فرع‮ ‬
وتسابقت مع الجحش‮ ‬
حتي طالت قدماي
أنا صائد الدبابير الماهر‮ ‬
كيف بي أن أبكي الآن‮ ‬
لأن القطارات فاتتني مرارًا
وتركوني في هذه اليابسة‮ "‬الناشفة‮"‬
أشعر بالمُرِّ‮ ‬يملأ فمي‮ ‬
الذي ياما رضع مباشرة من بقرة الجد
كيف لي أن أبكي الآن‮ ‬
بعد أن سخروا من نظارتي
‮ ‬ذي العدسة الواحدة المكسورة‮ ‬
أنا رجل التصحيح المثقل بالأخطاء‮ ‬
كم هذبتُ‮ ‬حال النخل‮ ‬
وأسقطتُ‮ ‬الثمار الفاسدة‮ ‬
جدير بي الآن أن أصعد الدرج حتي نهايته‮ ‬
وأترك هناك أشيائي الحميمة‮ ‬
وذاكرتي المثقلة بالمحبة‮ ‬
ثم أسقط عليكم فجًا‮ ‬
أصبّ‮ ‬اللعنات‮ ‬
وأفتح فمي كماسورة صرف ممتلئة بالسباب‮ ‬
ولا أغلقه أبدًا
أخلع ثيابي الواحد تلو الآخر‮ ‬
وأصفع رئيس الحرس‮ ‬
وأقاتل وحدي جيش البودي جردات
حتي أنزف وأتداعي‮ ‬
ثم أقول بكل ثقة وبكل فجاجة‮:‬
‮"‬أنتم أبناء‮....‬
من أتي بكم هنا‮ ‬
كنا قومًا هادئين‮ ‬
في إحدي المرات‮ ‬
جربنا أن نكتب القصائد‮ ‬
شربنا خمرنا‮ ‬
وملأنا الهواء باللون الأزرق‮ ‬
حتي تهيأت الطيور‮..‬
زرعنا تلة الوادي ذُرَةّ‮ ‬
وأقمنا محرقة هائلة‮ ‬
وأنضجنا القناديل
كثيرًا ما نفد الكيروسين‮ ‬
والماء‮ ‬
وجف البحر‮ ‬
وتوقفت مواتيرنا‮ ‬
لكن ثمة قطعة خبز أخيرة تبقي‮ ‬
سيقضمها الصبية‮ ‬
بينما نتلاقي‮ ‬
نحن علي التراب‮ ‬
نتلاقي ـ‮ ‬يا ثقيل الدم ـ‮ ‬
الذي زرعت الحلفا في الأسِّرة‮ ‬
والشوك في الأفواه‮..‬
إذن ماذا تظنونني
فاعلاً‮ ‬بكم أيها الأوغاد‮ ‬
الذين تراقبونني الآن‮ ‬
وأنا أصبُّ‮ ‬هذه اللعنات
علي أوراقكم البيضاء‮ ‬
لأحميها من ترهاتكم‮ ‬
ماذا تحسبونني فاعلاً
وأنا أخبط كالمجنون علي الدرج‮ ‬
وعيوني حمراء‮ ‬
ماذا تظنونني‮ ..‬
بعدما أتلفت سيفي الخشبي‮ ‬
في مبارزة طفولية‮ ‬
واخترت أن أجفل عائدًا للتيه
حاملاً‮ ‬أشرطة الكاسيت‮ ‬
والضفادع التي أطلقتها ذات مرة‮ ‬
في الورشة‮ ‬
تركت الدنيا
وفرحت لأن صبيًا
تخلص أخيرًا من الآلام التي‮ ‬يزرعونها‮ ‬
في جسده كل مساء‮ ..‬
غادرت البراح‮ ‬
إلي الحلبة الضيقة‮ ‬
وقابلت الأوغاد وجهًا لوجه‮ ‬
دون سيف خشبي‮ ‬
فلم‮ ‬يعد لي‮ ‬غير أن أعاقبهم‮ ‬
وأنا مصحح اللغة العتيق
بأن أرفع أجسادهم علي أنشوطة الضحك
أضعهم في متحف المومياوات‮ ‬
وأجردهم من الفضائل‮.. ‬
وأخبر الجميع أنهم المقصودون‮ ‬
بكل ما سبق من السباب‮ ..‬
وأعود لأحمل عراجيني ومقشاتي الأليفة‮ ‬
وأعمل في حقولهم الفضائية‮.‬

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى