د. محمد عباس محمد عرابي - السرد النفسي في الرواية العراقية الحديثة للباحثة شيماء الساعدي

السرد النفسي في الرواية العراقية الحديثة2003- 2015م،أطروحة تقدمت بها الطالبة/شيماء حسن جبر الساعدي الى مجلس كلية الآداب – الجامعة المستنصرية، وهي جزء من متطلبات نيل شهادة الدكتوراه/ فلسفة اللغة العربية وآدابها، بإشراف/الأستاذ الدكتور /سمير كاظم الخليل1439هـ 2018م

وفيما يلي نص ما ذكرته الباحثة (المقدمة – المكونات – النتائج) من خلال المحاور التالية:

المحور الأول: المقدمة:

بينت الباحثة أنه "تعد الرواية من أكثر الأجناس الأدبية تجسيدا للواقع، اذ توصف بأنها (مرآة عاكسة للواقع)، ويتبلور ذلك من منطلق علاقاتها بالمجتمع، لذا نجد فيها حضورا للبعد الاجتماعي، والسياسي، والتاريخي، فضلا عن تجسيدها الأبعاد النفسية التي باتت تعصف بذات الفرد في ظل الأبعاد المذكورة، ولاسيما البعد السياسي وما أخذ يشهده الراهن السياسي من تقلبات وتجاذبات سياسية.

والرواية العراقية الحديثة خلال هذه المدة الزمنية واحدة من الروايات التي واكبت هذا التجسيد الواقعي، فلقد شكل التغيير الكبير الذي حدث عام(2003) منعطفا تاريخيا وسياسيا واجتماعيا خطيرا، وكان الأدب الروائي العراقي الذي كتب بعد (2003) الأبرز في استيعاب هذا التغيير مما شكل نوعا من القطيعة التي تعني – الاحتواء والتجاوز- مع الأدب الروائي ما قبل( 2003 )، وانعكست هذه القطيعة على شكل تغييرات تكاد أن تكون جوهرية على المستوى الفني والثيمي، مما جعلنا نقف أمام رواية حداثية من نوع خاص؛ رواية تجسد ما يقع في المشهد العراقي من ممارسات عنف وقتل وارهاب وانفجارات وخطف وتهجير وتعذيب، وغيرها من الممارسات، التي جسدتها الرواية العراقية سواء أكان في الروايات التي ترصد حبكتها السردية هذه الممارسات في ظل السلطة السابقة، أم في الروايات التي ترصد هذه الممارسات بعد أحداث عام 2003. وقد كان هنالك سعي واضح من لدن كتاب الرواية العراقية في توظيف أساليب سردية تظهر الأبعاد النفسية لأثر هذه الممارسات على واقع الفرد العراقي وما توديه من انهيار ذاته، وضياع هويته، وكبت رغباته، وضياع أهم حقوقه وهو حق العيش بطمأنينة وأمان. و(أسلوب السرد النفسي) -موضع الدراسة- واحد من أهم الأساليب السردية؛ التي عنيت بـ(العرض والإخبار) عن كل ما هو نفسي، إذ يتم فيه التركيز على الشخصيات ذات الكثافة السايكولوجية لما تنطوي عليه من مشاعر وأفكار وصراعات نفسية تعكس أزمات ورغبات وحالات شعورية ولاشعورية مضطربة. وهذا ما يجعل المنهج المتبع في هذه الدراسة (سايكو نصي) أي البحث عن البواعث النفسية وخفايا العالم الداخلي للشخصيات الروائية داخل نصوص الروايات. سواء أكان من خلال سرود نفسية داخلية تصاغ بأساليب لفظية نابعة من لغة الشخصية وأسلوبها المباشر أم من خلال سرود نفسية داخلية ترصد حالات ذهنية مضطربة بأساليب غير لفظية. ورصد أثر عناصر السرد الأخرى ولاسيما (الزمن والمكان) وفق رؤى نفسية عائدة للشخصية أو في رؤى مصاحبة بين الراوي والشخصية. على كل ما يعصف بذات الشخصية من صراعات وحالات نفسية ومدركات شعورية ولا شعورية مضطربة. عبر علاقات متفاعلة بين (الشخصية والزمن)، وبين (الشخصية والمكان).

المحور الثاني: مكونات الدراسة:

تكونت الدراسة من ثلاثة فصول، جاء الفصلان الأول والثاني حسب الأساليب غير اللفظية والأساليب اللفظية التي يتضمنها هذا الأسلوب ويؤشر لها في أثناء توظيفه في الرواية.

الفصل الأول: (الأسلوب الذهني سردا نفسيا):

تناولت الباحثة فيه أهم الأساليب غير اللفظية، فتوزع حسب حالاته الى مبحثين:

المبحث الأول: الأحلام وأحلام اليقظة.

المبحث الثاني: الهستيريا، والهذيان، والذهول العقلي.

وتناولنا في الفصل الثاني: (المونولوج) أهم الأساليب اللفظية، فتوزع حسب نوعيه الى مبحثين:

المبحث الأول: المونولوج المباشر.

المبحث الثاني: المونولوج غير المباشر.

الفصل الثالث :(التشكيل الزمني المكاني) وأبعاد نفسية، تكون من مبحثين:

المبحث الأول: تشكيل الزمن النفسي.

المبحث الثاني: تشكيل المكان النفسي.

المحور الثالث :الخاتمة (النتائج):

ذكرت الباحثة في الخاتمة أنه: يعد (أسلوب السرد النفسي) من أهم أساليب المدارس السردية الغربية الحديثة، التي تبلورت من ثمرة اتصال هذه المدارس بـ(علم النفس)، ولا سيما المدرسة الألمانية ونقادها ومنهم الناقدة (مونيكا فلودرنك)، التي تناولت هذا الأسلوب بعد رائدته وواضعته الناقدة الهولندية (دوريت كوهن)، وفي خضم دراستنا لهذا الأسلوب كعنوان للأطروحة وتطبيقه على الرواية العراقية الحديثة (2003-2015) تبلورت لنا نتائج عدة من أهمها:

1-يركز أسلوب السرد النفسي أثناء توظيفه في الرواية -كما تبلور في الروايات عينة البحث-على ابراز كل ما هو نفسي من بواعث نفسية ورغبات مكبوتة ومدركات، وهواجس، وحالات شعورية ولاشعورية تتصارع داخل خفايا العوالم الداخلية للشخصيات الروائية، ولاسيما خلال هذه المدة الزمنية، التي حرص فيها معظم كتاب الرواية العراقية على عرض حالات التأزم، وحالات نفسية مضطربة تعصف بالشخصية الروائية، التي اخذت تمثل وفق رؤى ومقاربات واقعية من هؤلاء الكتاب. ذات الفرد العراقي بشكل عام في ظل تصاعد موجات القتل، والعنف، والانفجارات والتهجير، ورمي جثث الضحايا. وغيرها من الأمور التي باتت تلحق به وتزيد من حجم مخاوفه وهلعه.

2-يرتكز أيضا على ما هو نصي، ولم يقتصر هذا الأسلوب في هذا الارتكاز على نوع واحد من الأساليب انما أفرز تأصيله على نوعين من الأساليب (اللفظية) متمثلة بـ(المونولوج) بنوعيه (المباشر، وغير المباشر). والأساليب (غير اللفظية) متمثلة بـ(الأسلوب الذهني) وحالاته . ويأتي هذا الاعتماد كونه لم يقتصر على مستوى دون آخر من مستويات تمثيل الكلام بل أنه يضم مستوى الكلام أو اللفظ، ومستوى ما قبل الكلام أو ما قبل اللفظ.

3-يعد البناء اللغوي داخل نصوص الروايات موضع الدراسة هو السبب في اظهار آليات هذا الأسلوب، واشتغالاته السردية القائمة على تنوع الأساليب –كما أشرنا-واعتمادها التقنيات الروائية والحالات الذهنية والنفسية، وهذا أن دل على شيء فيدل على عناية خاصة قد أولى بها كتاب الرواية العراقية لغتهم الروائية سواء أ كان في عرضهم لتلك التقنيات وآليات عملها في أبرز الرؤى النفسية والسرود النفسية والرغبات المتصارعة في دواخلها بصوتها وأسلوبها

المباشر. أم من خلال الحالات التي تعنى بتمثيل فكر الشخصية والإخبار عن ما يعصف بنفسها وذهنها من حالات نفسية مضطربة ومتأزمة.

4- كشفت الروايات -عينة البحث- عن الغاية من توظيف المونولوج كأحد أساليب اللفظ، ولا سيما فيما يخص النوع الأول منه (المونولوج المباشر) المصاغ بضمير(أنا) المتكلم وصوت الشخصية وأسلوبها المباشر. وتتمثل هذه الغاية بأن الروائيين العراقيين قد جعلوا من (المونولوج المباشر) وسيلة للكشف عن دواخل شخصياتهم الروائية وعقدها ورغباتها واضطراباتها النفسية التي لم تبح بها، ولم تفصح عنها في العلن بحوارات خارجية، وقد كشفت توظيفات (المونولوج المباشر) في الروايات عن مدى انسجام الشخصيات الروائية مع الواقع، وما يعتريها من هموم وتصورات، وتضارب في الرؤى عن نفسها وعن الحياة وعن الآخرين من حولها، لذا أخذ توظيف (المونولوج المباشر) بسرود نفسية داخلية يزيح الستار عن كل ما ينتاب الشخصية وما يتصارع في دواخلها.

5-أما توظيف (المونولوج غير المباشر)، فقد جسدت الروايات موضع الدراسة دور هذا النوع من المونولوج في اظهار العوالم الداخلية للشخصيات الروائية، لذلك حرص الروائيون العراقيون خلال هذه المدة الزمنية على توظيفه، بطرق مختلفة، اذ كان لكل واحد منهم رؤى معينة وطريقة تميزه في توظيف هذا الأسلوب لاستنطاق دواخل شخصيات رواياتهم بكل ما فيها من أفكار ومشاعر وهواجس وصراعات نفسية ورغبات مكبوتة لم تعلن عنها، ولم تصغها. لذا يعتمد الأسلوب راويا يصوغ تلك الدواخل ويخبر عنها من خلال ثنائية ملتبسة بين صوته وصوت الشخصية، وتهجين بين أسلوبه غير المباشر وأسلوبها المباشر بشكل يثير تساؤلات القارئ وشغفه لتحديد هوية المتكلم هل هي الشخصية؟ أم الراوي؟. واعتمد هذا الأسلوب - كما تؤشر الروايات- ضميري (الغائب) أو(المخاطب) للدلالة على تحول في لغة الضمائر وتحول في الأزمنة؛ ويكون ذلك مناطا ببراعة الروائي وقدرته على حبكة نصوصه الروائية؛ فمنهم من جعل توظيفه للمونولوج غير المباشر يقترب من (المونولوج المباشر) للشخصية لو كانت نطقت به وصاغته بأسلوبها المباشر ولغتها اللفظية، ومنهم من شبع نصوصه بسمات ذاتية وتعبيرية توحي بأن تلك النصوص ملك للشخصية ومن نسج صياغتها المباشرة كما في (المونولوج المباشر)غير أن الضمير الذي صيغت به يعود للراوي .

6- عكس توظيف السرد النفسي من خلال الروايات -عينة البحث - باعتماد الأساليب غير اللفظية (الأسلوب الذهني) فيما يخص حالتي الأحلام وأحلام اليقظة عن سبل مختلفة ومتنوعة اعتمدها الروائيون العراقيون لهذا التوظيف، اذ منهم من جنح الى توظيف (الحلم) منفردا، ومنهم من عمد الى توظيف (حلم اليقظة)، ومنهم من مزج بين الأثنين (الأحلام ، وأحلام اليقظة)؛ بغية الايصال والإيحاء للقارئ عمق حجم الاضطرابات والتشتت، وعدم الاستقرار النفسي والذهني، الذي تشهده شخصياتهم الروائية نتيجة ما يقع لها، وغياب مدركاتها الواعية واللاواعية الأمر الذي أدى الى عجزها عن التلفظ وامتلاك أحقية الصياغة لدواخلها، ويجعل من صياغة الراوي لكل ما يقع في ذهنها ونفسها مع؛ متنفسا وملاذا يحقق رغبتها في البوح وترجمة مشاعرها واحاسيسها ورغباتها المغيبة بين طيات كتمانها وكبتها.

7- أما في ما يخص اعتماد حالات الأسلوب الذهني (الهستيريا، الهذيان، الذهول العقلي)، فقد بلورت الروايات عينة البحث نوعا من التنويع في الصياغة السردية الذهنية لإضاءة المخفي، وغير المعلن في العوالم الداخلية للشخصيات الروائية بسبب وقع هذه الحالات المضطربة، التي عصفت بها وجعلتها عاجزة عن أي صياغة تلفظية ذهنية خاصة بها. فضلا عن ذلك كشف هذا التوظيف عدم اقتصار الروائيين العراقيين على ما بنيت عليه رواية(تيار الوعي) باعتماد مستوى اللفظ لا غير المناط بالشخصية الروائية ولفظها الخاص المباشر كما في (المونولوج المباشر) بعيدا عن وجود الراوي ووساطته السردية، والنزوح الى مستوى ما دون اللفظ البعيد عن لفظ الشخصية، والقريب من مستوى أفكارها ومشاعرها وحالاتها التي يصوغها الراوي بناء على معرفته بالشخصية، التي أخذ يتقمص معظمها ويستقر في ذهنها بشكل يؤهله لنقل كل ما يقع لها من هذه الحالات منفصلة ، أو ممزوجة مع بعضها بشكل يوصل معظمها لشدة اضطرابها وتأزمها الى حد (الذهول العقلي) بل الجنون.

8- استطاع (أسلوب السرد النفسي) من خلال الروايات -عينة البحث- أن يشكل ظاهرة في الرواية العراقية خلال هذه المدة الزمنية، لما يعمله هذا الأسلوب واشتغالاته النصية النفسية في شد بنية النصوص الروائية، وذلك من خلال ما يحدثه بفعل اللغة من علاقات متفاعلة بين العناصر السردية (الشخصيات، الأحداث، وجهة النظر، الزمن، المكان) لاظهار الأبعاد النفسية والبواعث والهواجس، والافكار المتصارعة في خفايا العوالم الداخلية للشخصية الروائية. ولقد كان الحديث عن وجهة النظر لاسيما النفسية والداخلية ملاصقا للحديث عن الشخصية

وخطاباتها في (المونولوج) وفيما ينقله الراوي عنها في (الأسلوب الذهني)، وفي رؤى الشخصية النفسية للزمن والمكان. ورؤيتها للأحداث المتصارعة في المشهد الروائي، الذي يمثل المشهد العراقي، أما فيما يخص عنصر(الأحداث) فجاء الحديث عنه في ثنايا جميع الاطروحة ولا سيما في مبحثي الزمن النفسي، والمكان النفسي لأن كليهما يجيء بفعل الحدث فضلا عن الحالة الشعورية للشخصية.

9- لقد كشف تجسيد "الزمن النفسي" تجسيدا داخليا يقاس بالحالة الشعورية والرؤى النفسية للشخصية بعيدا عن مقاييس الزمن الموضوعي؛ بان الرواية العراقية ومنها روايات -موضع الدراسة- قد جاءت تمثيلا لإيقاع الواقع الزمني العراقي بكل ما فيه من ممارسات واضطرابات وتقلبات سياسية ألقت بظلالها على ذات ونفسية الفرد العراقي؛ الذي جاءت الشخصيات الروائية بمثابة ممثل عنه، فبعض نصوص الروايات وأن حملت تحديدا خاصا للأبعاد النفسية للزمن على الشخصيات بشكل خاص الا انها لم تخلو ولم تبتعد عن آثر الواقع الزمني العام للبلد كونه يمثل البيئة الحاضنة لها. و ان لكل واحد منهم طريقته الخاصة في بث تجسيدات الزمن النفسي كما جاء في نصوص الروايات، ولاسيما في تركيزهم على بث عنصر (المفاجأة الزمنية)، والترويج للحظات الحبلى التي تحيل لأزمة زمنية نفسية تعصف بالشخصيات. تجسيد داخلي يقاس بحالة الشعورية على نحو يشكل أزمنة تمثيلية نفسية حقيقية

10- اما تجسيد (المكان النفسي) كمكون حسي له أبعاد نفسية، فقد بلورت الروايات – موضع الدراسة- آلية عمل الروائيين العراقيين خلال هذه المدة الزمنية، واشتغالاتهم السردية في تجسيد عنصر(المكان) بأبعاد نفسية وتأثيرات شعورية على الشخصيات؛ والتي تبلور أي هذه (الاشتغالات) العلاقة المتفاعلة بين عنصري (المكان، والشخصية) داخل نسيج نصوصهم الروائية، فقد جاء تجسيد (المكان النفسي) لديهم من منطلق ان الأمكنة وتواجدها في الرواية تخلق فضاءً شبيها بالفضاء الواقعي الحقيقي بشكل يجعل العملية السردية في اطار المحتمل الواقعي. وعمدوا كما تؤشر الروايات الى تشخيص (المكان) من منطلق أن تشخيص المكان في الرواية يجعل القارئ يتوهم بواقعية أحداثها، إذ يأتي التشخيص لإظهار الأبعاد النفسية للمكان بشكل يسهم في سمة التعظيم وزيادة حالة الايهام لدى القارئ. وعلى الرغم من اختلاف طرقهم و درجة البث المكاني لديهم غير أن ما يجمعهم أنهم لم يجعلوا (المكان) أطارا أو ديكورا بل تجسيدا حقيقيا وحسيا لمشاعر ووجهات نظر الشخصية بالمكان واسقاطاتها النفسية عليه، وقد جاء هذا التجسيد بأوصاف متقطعة تشكل فضاء الرواية بأكمله؛ ذلك الفضاء الذي تؤشر فيه الروايات -عينة البحث- ببعد واقعي الى فضاء (بغداد) المتأزم بفعل ممارسات العنف، والقتل، والانفجارات، ورمي الجثث... وغيرها من الممارسات وانعكاسها على واقع ذات الفرد العراقي وحالته الشعورية والنفسية، ذلك الواقع الذي مثلته شخصيات الروايات على وفق حالات شعورية ورؤى نفسية بأسلوبها وتصويرها المباشر، أو في ما ينقله الراوي من تجسيد احاسيسها ورؤاها بالمكان الذي تتواجد فيه.

المراجع:

شيماء حسن جبر الساعدي ،السرد النفسي في الرواية العراقية الحديثة2003- 2015م،رسالة دكتوراه ، الجامعة المستنصرية، كلية الآداب ،قسم اللغة العربية ،2018م

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى