محسن الخفاجي - عطش..

بعد موسم مجدب ، لم تسقط فيه قطرة واحدة ، ولم يخفق فيه جناح طائر بري في صفحة السماء . جفت السواقي والغدران ، وذوت الاعشاب والحشائش وهزلت القطعان الهائمه الجائعة تحت شمس حمراء حارقه ونفقت الكلاب والقطط ،
بعد هذا الجفاف المر لم يبق من خيول قريتنا الا ثلاث افراس وحصان واحد ، انطلق بها فرسانها في الجهات المختلفه بحثآ عن ارض اخرى وحبل نجاة آخر .
مضت شهور طويلة دون ان يعود دليل واحد. كان على اعمامي ان يتمزقوا في الارض العارية شمالآ او جنوبآ ، شرقآ او غربآ في أنتظار ان تطأ حوافر خيولهم أرض الفردوس .
على امتداد الأفق ، حيث تنطبق السماء الخالية من الغيوم على الرمال الملتهبة ، كان هناك السراب الذي يجذب العيون ويصطاد القوافل العطشى ، كما تصطاد شبكة عنكبوت حشرة ضالة عمياء .
لم يبق من كل ذلك المشهد الغائم الذي عشته وانا طفل في سن الخامسة ، غير هيكل عظمي لحصان تكسرت أضلاعه ، مستلق على الرمال الجافة ، واجزاء من ثياب رجل ، وسرج حصان ، وفي هذا النثار الذي تسيل الشمس على اطرافه نبتت شوكة عملاقة متحدية لم تصلها اسنان جمل ..



أعلى