ديفيد إيغلمان - الآخرة: غير قابل للوصف.. ترجمة: إبراهيم قيس جركس

عندما يفترق الجنود في نهاية الحرب، يؤدي تفكّك الفصيلة إلى إثارة مشاعر الفراق كوداع شخص يموت_ إنها آخر لحظة موت خالية من الدماء في الحرب. نفس المزاج ونفس المشاعر تطارد الممثلين عندما تُسدَل الستارة لآخر مرة: بعد أشهر من العمل سويّةً، مات للتو شيء ما أعظم منهم جميعاً. وبعد أن يُغلق أحد المتاجر أبوابه للمرّة الأخيرة، أو بعد اختتام مؤتمر لجلسته النهائية، يخرج المشاركون ويتباعدون كلٌ في طريقه، يشعرون أنهم كانوا جزءاً من شيء ما أكبر منهم، شيء ما يظنّون أنّ له حياةً مع أنهم لا يستطيعون لمسه أو الإحساس به.
وبنفس الطريقة، الموت ليس شيء مقتصر على الكائنات الحية فقط، بل على كل شيء.
وقد اتضح أنّ أي شيء يتمتّع بالحياة له نصيب في الحياة الأخرى. فالفصائل والمسرحيات والمؤتمرات والمتاجر لا تنتهي ببساطة، بل تنتقل إلى بُعد آخر مختلف. إنّها أشياء تم إنشاؤها وإيجادها لفترة مؤقتة من الزمن، وبالتالي حسب القوانين الكونية مازالت موجودة في عالم مختلف.
ومع أنه قد يَصعُب علينا تخيّل كيفية تفاعل هذه الموجودات، إلا أنها تستمتع بالحياة الآخرة معاً، وتتبادل فيما بينها قصصها ومغامراتها. إنها تضحك بشأن الأوقات الطيبة، وفي كثير من الأحيان، مثلها كمثل البشر أنفسهم، تندب قصر الحياة وعبثيتها. أمّا الأشخاص الذين شكّلوها وكانوا جزءاً منها فلا يضمنونهم في قصصها. في الحقيقة هذه الموجودات ليس لديها فهم عميق أو إدراك كافٍ للإنسان، فهي ليس لديها فكرة عن وجودك أصلاً.
قد تستغرب كيف يمكن لهذه الموجودات أن تعيش من دون الأشخاص الذين شكّلوها. لكنّ المبدأ الأساسي بسيط جداً: الآخرة مكوّنة من الأرواح. فبعد كل شيء، أنت لا تصطحب كليتيك وكبدك وقلبك معك إلى الآخرة _ بل تتحرّر من القطع والأعضاء التي تتكوّن منها.
قد تفاجئك نتيجة هذا المخطّط الكوني: عندما تموت، تحزن على كل الذرات التي تكوّنتَ منها يوماً. كانت مرتبطة ببعضها البعض لسنوات عديدة، سواء في طبقات الجلد، أو من الطحال. فهي لا تموت بموتك. وبدلاً من ذلك، يتباعدون عن بعضهم البعض ويفترقون، إذ تمضي كل ذرّة منهم في اتجاهها، ويشعرون بالحزن على أوقات قضوها معاً، ويسكنهم الشعور بأنهم كانوا جزءاً من شيء ما أكبر وأعظم منهم، شيء عظيم له حياته الخاصة، شيء ما لا يمكنهم لمسه ولا يمكنهم الإحساس به.
‏Sum: Forty Tales from the Afterlives
‏Eagleman, David

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى