إبراهيم قيس جركس - عَزاء أبيقور[1]: الكائن الخالد وما يشوب الإنسان من مشاعر وعيوب

إذا كان لشوبنهور علاج واحد فقط...

فلأبيقور علاجات شتى...


# الجلسة الأولى: الكائن الخالد والمشاعر البشرية


((ليس للكائن الخالد المُغتَبِط هموم، وهو لا يتسبّب فيها للآخرين، فلا يبدو عليه علامات الغضب أة العطف، إذ تعبّر هذه العلامات على الضعف)) [أبيقور، الرسائل والجكم، الحكم الأساسية: 1]

بمعنى: يقول "بيلي" و"يونغ" أنّ طبيعة الكائن الخالد المُباركة والخالدة لا تعرف المتاعب أو المشاكل، ولا تتسبّب بها لأي شيء آخر، وهي غير مقيّدة أبداً بمشاعر الغضب والسخط أو المحاباة والتفضيل. فهذه الصفات أو السمات تشوب البشر الضعفاء فقط.


_بادئ ذي بدء، أن تتصوّر الإله كائناً خالداً مغتبطاً، على غرار ما تقدّمه لنا التصورات العامة العادية، ولا تنسب إليه أيّة صفة مناقضة لخلوده أو غير ملائمة لغبطته. بل ينبغي أن تتضمّن الفكرة التي تكوّنها عنه كل ما من شأنه أن يحافظ على خلوده وسعادته. فالآلهة موجودة، لاشك، ونحن على يقين من وجودها، غير أنّها لا توجد على النحو الذي يتصوّره الجمهور، إذ ليس لهذا الأخير صورة ثابتة عنها. وليس الكافر من لايؤمن بآلهة الجمهور، بل هو من ينسب إليها صفات وهمية كالتي ينسبها الجمهور. وفعلاً، إنّ ما يثبته الجمهور لا يقوم على أفكار بديهية إنما على افتراضات كاذبة. ومن هنا كان الرأي القائل بأنّ الآلهة تحازي الأشرار بالشر والأخيار بالخير. ولمّا كان الناس شديدي التمسّك بفضائلهم الخاصّة فإنّهم لايقبلون آلهة على شاكلتهم، كما أنّهم يستغربون من كل ما يبتعد عن طرق تصرفهم الخاصة. [رسالة إلى مينيسي، 123-124]


_وفيما يتعلّق بالأجرام السماوية، لايجب الاعتقاد بأنّ حركتها وتغيّر اتجاهها وكسوفها وشروقها وغروبها وكل الظواهر الأخرى التي من نفس القبيل هي ناتجة عن فعل كائن منظّم لها، وأنّ هذا الكائن يتمتّع في نفس الوقت بالسعادة المطلقة والخلود، إذ المشاغل والهموم والغضب والمحاباة لا تتفق مع الغبطة، بل هي مقترنة بالضعف والخوف والتبعية. ولايجب أن نعتقد أيضاً أنّ الأجسام السماوية، المتكوّنة من نيران متكتّلة، تنعم بالسعادة وأنّها تتحرك بمقتضى إرادتها الخاصة. بيدَ أنّه لابد من المحافظة على الألفاظ والأسماء التي نعبّر بها عن احترام الجلالة، خشية أن تُؤَوّل بعض الأسماء غير المناسبة إلى صدور آراء منافية لهذا الاحترام. وإن لم نفعل فإنّ التناقض سيولّد اشدّ الاضطراب في النفوس. لذلك لابد من افتراض أن حركة الأفلاك الدورية صادرة بالضرورة عن الدوامات الأصلية المولّج كل واحدةٍ منها لعالمٍ ما.

ولا شك أنّ غاية الطبيعيات عي البحث الدقيق عن علل الظواهر الرئيسية. وأنّ الغبطة تتمثّل في معرفة الظواهر السماوية وفي تحديد ماهيتها وماهية كل الظواهر المماثلة التي تساهم دراستها في تحقيق السعادة. ولايجوز، علاوةً على ذلك، الإقرار بأنّه يمكن تفسير كل هذه الأشياء بطرق مختلفة أو أنّه بإمكانها أن تكون على غير ما هي عليه، إذ أنّه لايمكن للطبيعة الخالدة المغتبطة أن تتضمّن أي شيء مولّد للنشاز والفوضى. [رسالة إلى هيرودوت، 77-78]


_إنّ التلازم الموجود بين الحالات الجوية من جهة وبين الشمس البروج من جهةٍ أخرى يقوم على الاتفاق والمصادفة لاغير. فالبروج لا تملك شيئاً من ذاتها تقدر من خلالع على إنشاء طقس رديء، كما أنّه لايُعقَل القول بوجود كائن إلهي متربّص لظهور البروج كي ينتج تبدّلات الطقس الموافقة لها. إذ لايوجد كائن حي يتمتّع بالذكاء والفهم ويتصرّف بهذا الجنون، ولاسيما الكائن الذي ينعَم بالسعادة المطلقة. [رسالة إلى فيثوقلاس، 116]


_لأنّ جُلّ طبيعة الآلهة ينبغي أن تتمتّع في ذاتها
بحياة خالدة وبأقصى درجات السكينة،
فهي في معزلٍ وبعيدة كل البعد عن شئوننا،
إذ إنّها لايصيبها أي ألَم، ولاتتعرّض للخطر،
فهي ذاتها قوية بقدراتها الذاتية، ولاتحتاج إلينا في شيء على الإطلاق،
فلا تُستَرضى بصلوات (العَبد الصالح) ولايعتريها الغضب (من المُسيء):
فإن أزمع شخصٌ ما هنا أن يسمّي البحر نبتونيوس
والغِلال كيريس، واختار بدلاً من أن يسيء استعمال اسم باخوس
أن يطلقه كتعريف مُلائم للخمر، 
دعنا نسمح له بأن يطلق على الكرة ألأرضية
أمّ الآلهة، بشرط أن يمتنع بحق عن أن يصيب
عقله بعدوى الخرافة الزائفة.
[لوكريتيوس، في طبيعة الأشياء، 650-655]


_نقول: لقد وَهَبَت الطبيعة البشر الاعتقاد أو الإيمان بوجود آلهة، ومن أوضح هذه الاعتقادات هو أنّ الإله كائن كامل لا تشوبه أيّة مشاكل أو شوائب بذاته، ولا يتسبّب بالمشاكل والمشاغل والهموم لأيّ كائن آخر. أي كائن مثالي وكامل لابد أن تكون جميع حاجاته ورغباته متحقّقة ويخلو من كل عيوب أو أحاسيس أو نقاط ضعف، وكنتيجة لذلك، هذا الكائن الكائن لا تنتابه أيّة مشاعر بشرية ناقصة كالغضب أو الحزن أو الامتنان أو الفرح، فهذه المشاعر هي من صفات البشر الضعفاء. لذا ليس من المعقول الاعتقاد بأنّ إلهاً "كاملاً" و"مثالياً" و"مطلقاً" سيتدخّل في حياة البشر، بالخير أو بالشر، ولا يمكن الاعتقاد أنّ هذا الكائن المثالي سيسعى لمعاقبتك على ذنوبك أو مكافئتك على حسناتك، خلال حياتك أو بعد وفاتك.


أغلقت الجلسة....

عزيزي القارئ إذا أعجبتك هذه المحاولة أرجو ترك أثرٍ منك في التعليقات لأعلم أنّك تفاعلت مع مقالي هذا وأبذك جهداً أكبر في تحسين وتطوير وقراءة المزيد من المراجع...
دمتم بخير
للتواصل على البريد الإلكتروني: [email protected]

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى