فتحية دبش - قراءة نقدية لقصة "الولاعة الزرقاء" لـ د. قائد غيلان

يطرح النص جملة من الإشكاليات في ثوب هزلي ولغوي يجعله من النصوص المتفردة التي تعالج علات اجتماعية دون أن تثقل على القارى بأسلوب وعظي.
بعجالة سأقف على الإشكالات التي تقع ضمن دائرة اهتماماتي في القراءات الثقافية.
* الزواج: في الثقافات التقليدية وحتى لا أقول المحافظة لأن هذا المصطلح الأخير يقع في تقابل بين محافظ ومنفلت وهما حكمان أخلاقيان قائمان على علوية أحدهما عل الآخر. بينما تقع المقابلة بيت التقليدي والمتمدن كما أعنيهما بين المتعلق بالنمط الواحد وبين المتعلق بالأنماط المختلفة.
قلت إذن أن الزواج في المجتمعات التقليدية ليس غير مسألة فحولة و ديك يذبح لسببين اثنين على اعتبار أنه على الزوجة أن تذبحه في حال لم تكن عذراء أو في حال كان الزوج عاجزا جنسيا. في الحالتين إذن فإن التضحية بالديك هو الضامن للاحتفال بالدم. وهنا يحيلنا النص على أن تلك المنطقة من الجسد تحكم مسار حياة الفرد والأسرة والمجتمع. ما يحدث في السر ليس مهما بل المهم هو الحفاظ على ماء الوجه في العلن. وكأننا في مجتمعات تثق بمغفرة الله ولكنها لا تثق في مغفرة المجتمع. فيصبح المجتمع هو جهنم التي يوعد بها المارقون. ورغم سوداوية المشهد في هذا النقطة بالذات فإن النص يمنح بارقة أمل تظهر في الاتفاق بين الزوج وزوجته على أخذ الحيطة واحضار الديك. فغالبا لا تمنح الثقافات التقليدية للزوج فرصة الاعتراف بعجزه ولا للزوجة فرصة الاعتراف بفقدان عذريتها.
هاتان الرؤيتان توضحان الهوة بين الذات الفرد والذات الجماعة. فالذات الفرد تتوق إلى الحقيقة بينما تكرس الذات الجماعة نسق الخداع والتموية والكذب حتى لاتنهار الانساق التقليدية المتحكمة بمصير الفرد أنثى كان أو ذكرا.
*الفحولة تصبح قضية رأي عام ويقع تجنيد المجتمع مدنيا وعسكريا وثقافيا وسياسيا من أجل ليلة يسيل فيها الدم حتى وإن كان دم ديك، بينما يراق دم الإنسان في حروب متنوعة دون أن يصبح ذلك قضية رأي عام. فدم ديك ليلة العرس كفيل بأن يشغل أمة كاملة وكفيل بإرساء السلم والسلام، ولكن دم الإنسان لا يشغل أحدا.. وهنا يطرح السؤال نفسه: هل أصبح الدم نسقا ثقافيا قائما بذاته حتى أنه يكون طقسا من طقوس الاحتفال ويصبح مكونا من مكونات الفرد والمجموعة؟ وهل يمكن أن نقرأ ذلك على أنه ممارسة عادية في ثقافة قائمة على العنف؟
* الأنا//الآخر: العلاقات بين الأنا والآخر هنا هي علاقات قائمة على الأخذ لا على التبادل. وهي علاقات نفعية بالدرجة الأولى حتى أن المجتمعات التي تحاول الحفاظ على أنساقها لا تأخذ من الآخر المختلف عنها إلا ما يخدم أنساقها. فمن الآخر لم يقع غير استجلاب الولاعات الزرقاء. وإذا كان الغرب يستخدمها للحفاظ على السعادة التي ينتجها النشاط الجنسي ويحافظ بها على التوازن العاطفي فهي في الثقافات التقليدية تستخدم للحفاظ على ماء الوجه حيث يحاكم الرجل بفحولته كم يحاكم المرأة بعذريتها. كما لو أنه لا وجود للإنسان خارج منطقةٍ ما من الجسد.
*المرأة: لم يكن للمرأة حضور في النص إلا في فعل ذبح الديك المحتمل. فهذه الذات المغيبة تماما والمحجوبة عن كل فعل مدني وعسكري وسياسي ليس حضورها فاعلا إلا في الحفاظ على الأنساق الثقافية حيث تهيمن الفحولة. فهي المتحكمة في مصيرها ومصير الرجل في ليلة العرس، وهذا التحكم لا ينبع من العقل وإنما من الجسد. فجسدها هو الضامن الوحيد لكينونة الرجل. أما كينونتها فلا تتحقق إلا من خلال ما يمنحها الرجل. فدم الديك في النص جاء ليخفي عجز الزوج دون أن يكون هناك أدنى تساؤل عن احتياجات جسدها. فهل ذلك يعني أنه يمكنها إشباعه في السر بعد ذبح الديك؟
وكل هذا يدل دلالة واضحة على أن الثقافات التي تخفي المرأة هي الثقافات العارفة بخطورة دور المرأة في تغيير الأنساق الثقافية وبالتالي في تغيير المجتمعات وخروجها من منطقة التقليد إلى منطقة التمدين وبالتالي سلب الذكر دوره المهيمن. وهي مجتمعات تراق فيها الدماء من أجل الحفاظ على هيمنة الذكورة عوض أن تراق ليصبح دورا مشتركا.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى