محمد على عزب - القارئ وعتبات النص

قدم الناقد جيرار جينت فى كتابه "أطراس" الصادر سنة 1987م فتحا جديد فى قراءة النصوص الأدبية عبر ما سَمّاه "النص الموازى" أو "النص المحيط" أو "عتبات النص", وهى العنوان الرئيسى وصورة الغلاف وشبكة العناوين الداخلية والاٍهداء والتصدير والخطاب التقديمى والهوامش والتعليقات وجعل ما كتبه النقاد عن النص / النصوص وشهادات الأدباء ضمن "عتبات النص" ولكن سمّاها "عتبات نَصّية خارجية", تعامل النقد العربى مع هذا الفتح القرائى باستجابة سريعة, وصبغه بالرؤية الثقافية العربية فكتب الروائى والناقد المغربى دراسة نُشرت فى مجلة الكرمل سنة 1993م بعنوان "العنوان واستراتيجية بناء النص", وأصدر الناقد المصرى د. محمد فكرى الجزار سنة 1997م كتاب بعنوان "العنوان وسيموطيقا الاتصال الأدبى", وتابعت بعد ذلك الدراسات العربية على المستوى التنظيرى والتطبيقى لعتبات النَصّ باعتبارها مفتاحا أوّليا لاٍنتاج دلالات النص وعلامات دالة على أسلوب الأديب فى تركيب وبناء اللغة التى صاغ بها نصوصه .
وأصبحت العتبات مدخلا شائعا لقراءة النصوص لدى بعض النقاد بشكل يكاد يكون مبالغ فيه اٍلى حدما, وأحد مظاهر تلك المبالغة هو اعتماد صورة الغلاف عتبة من عتبات النص فى كل الحالات, اٍذ أنه ليس دائما يمكن أن نعتبر صورة الغلاف عتبة نصية فهناك سلاسل ودور نشر تقوم باختيار صورة الغلاف دون الرجوع للأديب, وخاصة السلاسل الحكومية, وبخلاف ذلك فاٍن حالة الانسجام والتوافق بين صورة الغلاف والمحتوى يتوقف على وعى بالفن التشكيلى لدى الأديب ولدى القارئ والناقد فى نفس الوقت, فلا يُوَفّق كل الأدباء وكل القُرَّاء فى ذلك, ممّا يجعل اعتماد صورة الغلاف عتبة من عتبات النص فى كل الحالات, والانطلاق منها مع باقى العتبات كمدخل للقراءة أمر غير دقيق, وليس فى صالح النص / النصوص ولا فى صالح القراءة / القراءات, هذا اٍلى جانب اٍهمال المقدمات التى كتبها الأدباء لأعمالهم مثل مقدمة ديوان "لن" لأنسى الحاج ومقدمة الأعمال لصلاح جاهين, واٍهمال مقولات وشهادات الأدباء أنفسهم عن نصوصهم موضوع القراء أو عن الفن الأدبى الذى يمارسه الأديب رغم أهميتها, فمثلا مقولة الرائع محمد الماغوط "الوزن والقافية يُدَجِّن الشعر وأنا أريد الشعر حُرّا" أرى أن هذه المقولة عتبة مهمة جدا لقراءة الماغوط عند تناول رؤيا الماغوط الشعرية .ومقولة أحمد فؤاد نجم "أنا باكتب شعر وماليش دعوة بتصنيفات النقاد".
وعن رأيى الشخصى فاٍننى لا أرتكن لعتبات النص كمدخل قرائى اٍلاّ اٍذا كانت هذه العتبات بها ما يجذبنى كقارئ على مستوى الدلالة, والتشكيل الجمالى الاٍبداعى لهذه العتبات, ومن نافلة القول الاٍشارة اٍلى أن ذلك لا يقلل من قيمة النص / النصوص فهناك أعمال عظيمة عناوينها قد تكون عادية جدا مثل رواية "ذات" للرائع صنع الله اٍبراهيم, وديوان "لن" للرائع أنسى الحاج, بالطبع هناك اشتباكا عضويا بين العناوين العادية والمحتوى النصى الداخلى ومن حق الناقد أن يتخذ منه مدخلا للقراءة, لكننى على المستوى الشخصى لا أستيغ ذلك, اٍلاّ اٍذا خطفتنى عتبات النص خطفا ففى قرائتى للمجموعة القصصية "نصوص الأشباح" لقاص المبدع محمد أبو الدهب المنشورة فى مجلة الكلمة فى أغسطس 2013م اتخذت من العتبات الجاذبة لى مدخلا للقراءة من العنوان الرئيسى والاٍهداء والخطاب التقديمى والتصدير والعناوين الداخلية وربطتها بشعرية السرد وبناء القصص عند أبوالدهب فى هذه المجموعة, وفى قرائتى لرواية "بالأمس أنجزت حياتى" للروائى المبدع محمود أبو عيشة المنشورة فى مجلة الثقافة الجديدة أكتوبر 2019م حيث جذبتنى مفردات العنوان واشتباكها ببعغض البعض وعلاقتها بسيرورة السرد وموقف الروائى وشخصيات الرواية من اٍنجاز الحياة وتجليات صور الموت واشتباك الماضى بالراهن بالمستقبل ,وفى قرائتى لديوان "مأوى أخير لكائنتى الحزينة" للشاعر المبدع أشرف ضمر منشورة فى جريدة القاهرة فى أغسطس 2015م جذبنى العنوان الرئيسى الاٍبداعى وكذلك شبكة العناوين الداخلية حيث وجدت فيها لافتات جمالية تشير اٍلى طريقة الشاعر فى تشكيل الجمل الشعرية ونوعية المفردات وتاريخها الاٍيحائى وبناء شبكة المتخيل الشعرى, فكانت تلك العناوين الابداعية بالنسبة لى علامات شعرية دالة على سؤال الكيف ؟ المتعلق بصياغة وبناء النصوص بطريقة اٍبداعية تخص الشاعر وبصمة صوت الاٍبداعى, وتجيب أيضا على سؤال الماذا ؟ أى ماذا يقله النص وماذا يمكن أن يقوله النص باعتبار العتبات دوال مركزية تشتبك بدواخل النصوص وتعمل على تفتيح مسامها أمامى كقارئ .
وأخيرا أود أن أشير اٍلى نقطة هامة تختلط على بعض الأدباء وهى الفرق بين التصدير والخطاب التقديمى, فالتصدير دائما يكون من تأليف مؤلف آخر غير المبدع صاحب الكتاب, وقد يكون التصدير من نفس نوع الجنس الأدبى الذى ينتمى له النص / النصوص, وقد يكون مقولة فلسفسة أو تاريخية أو غيرها, أمّا الخطاب التقديمى فهو من تأليف المبدع .



..
- عن نخيل عراقي



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى