حسين عبروس - الخاطرة فنّ التّخفي..

وصلتني مجموعة من الأسئلة من فريق مجموعة غيث العقول يطلبون مني أن اقدم إليهم محاضرة عن بعد في موصوع الخاطرة. هذا الموضوع الذي يراه البعض من سقط المتاع في مجال الكتابة الادبية ، ويراه البعض الآخر هو حالة من الكتابة التي يهرب إليها المبتدئين كي يعبروا عن ما بدواخلهم. وأراها فنا متكاملا لا يحسن الإبحار فيه إلا من عرف عمق الكتابة وخبر فيها تجربة الكتابة في جميع محطات الإبداع
* معنى الخاطرة لغة : هي مؤنث الخاطر، والخاطر هو كل ما يخطر بالنفس، وكل ما يجول في الذاكرة من أفكار وهواجس. وهي نص نثري مكثّف يكون في الغالب يختلف عن النصوص الأخرى، دون استطراد أو إطالة مملة، ويكون بلغة سلسة أخاذة تشد القارئ، أو السامع، وهي بوح الذات بعد الصمت الذي يخيّم على صاحبه (الكاتب) وتكون في كثير من الأحيان غير واصحة المعنى للقارئ إلا من قبل كاتبها أو من يشاركونه الفكرة من المقربين من الأصدقاءفي عنصر الحديث. وتسمى هذه الخاطرة بالخاطرة الذاتية، التي يحاول الكاتب فيها أن يتخفىّ وراءها ليبوح بكلّ ما في صدره من أنّات وزفرات وكل سرّ من أسرارالوجدان والعواطف. فيكتبها تنفيسا عن النفس وتكون مبهمة، لكن العارف بأحوال النفس يستطيع تحديد معانيها، وتحديد حالة صاحبها.
* نشأة الخاطرة: لقد ظهرت الخاطرة كنص أدبي مع ظهور نشة الكتابة وتطوّرت من حالة الحديث الشفهي إلى النص المكتوب بأكثر فنيّة وجمالية على أيدي كبار الكتاب والأدباء في العالم، وتبعتهم قوافل الأجيال من المولعين بفن الكتابة من الشباب فأبدعوا في كتابتها. وكثير من المبتدئين يظنون أنهم يكتبون الشعر أو القصة وهم في الحقيقة يكتبون ما يسمى بالخواطر. وهي في البدايات الخطوة الأولى لكل كاتب يخوض التجربة، ويراها الكثير من الكتّاب واجهة التخفّي التي تستر أسرارهم النفسية والعاطفية والفنية، وذلك قبل أن يظهروا الى العالم بنصوص جيدة محكمة الإبداع. وهم يعبرون من محطة التّخفي إلى دائرة الضوء والتّجلي. وأغلب الذين يبدأون رحلة الكتابة بالخاطرة يميلون الى عالم السرد، فيجدون أنفسهم يدخلون عالم كتابى القصص والروايات، وقليل منهم من ترسو سفائنهم على كتابة النص الشعري والمقال الأدبي والنقدي.
* الفرق بين الخاطرة والنصوص الأدبية الأخرى.
* الخاطرة والمقال: تختلف الخاطرة عن المقال من حيث الموضوع والصياغة والأسلوب ، فتكون أكثر فنية وبلغة آسرة وأسوب مشوّق وجمل قصيرة وصوّر بديعة، ويكون المقال الأدبي أو العلمي يرتكز أساسا على موضوع معين يعتمد فيه الكاتب على اظهار الحقائق وتقديم الأدلة والمصطلحات الفنية والأدبية والعلمية. ويكون في الغالب مفتوحا على الآراء والمناقشات ويكون طويلا.
* الخاطرة والقصة القصيرة: تعتمد الخاطرة عللى شخصية الكاتب في سرد التفاصيل وقي القصة تعتمد على بطل وشخصيات ثانوية وتركز الخاطرة على عنصركشف المفاجئ في العرض بينما تحاول القصة أت تعري تفاصيل الواقع بسردية ناقدة للأوضاع أوبطريقة واضحة في الطرح للأحداث وكيقية معالجتها. وفي الغالب تتموقع الخاطرة بين الأقصوصة وبين قصيدة النثر.
* الخاطرة والشعر: يكون النص الشعري (الشعر الحر) في الغالب يقوم على وحدة المقطع الشعري بجمل معينة مكثقة وبوزن من تفعيلة بحر واحد أو عدة تفعيلات مثل البسيط ( مستفعل أو فاعلن) وتغلب على النص الشعري الصورة الفنية التي تختلف عن الخاطرة وعن القصة. وبذلك يكون البون شاسعا بينهما . وقد تختلف الخاطرة من حيث القصر والطول حسب قدرة الكاتب.
* أصناف الخاطرة: تشتمل الخاطرة على عدة أنواع منها.
* الخاطرة الوجدانية (العاطفية)
* الخاطرة الفنيّة
ا* الخاطرة السياسية
* الخاطرة الفلسفية
* الخاطرة العلمية
* الخاطرة الإجتماعية
ويكون لكل نوع من هذه الأنواع أسلوبه وادواته الفية واللغوية والجمالية التي تجعله محط أنظارالقارئ المهتم. من حيث اللغة السليمة الراقية الخالية من الهنات اللغوية النحوية والإملائية ، كما تشتمل على عنصر التكامل الفني، ووصوح الفكرة والإنسجام والإيحاء وجماليات الحسّ الفني والغختصار وعدم الإطالة إلا عند الضرورة الفنية، كما تشتمل على الإيقاع الموسيقي الذي يشد السامع.، وبذلك تصبح الخاطرة حديقة الكاتب المبدع الذي تجتمع فيها ظلال جميع الفنون ، ويظلّ الكاتب فيها يبحر في عوالم شتّى داخل الزمن والمكان فلا يكتب النص الإبداعي خارج الزمن سواء كان من النصوص الروائية أوالقصص والنصوص الشعرية أو الخواطر.ويبقى وحده الكاتب الحاذق الماهر الموهوب هو من يصنع فضاءات الزمان والمان والجمال داخل نصه.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى