صبحي موسى - ورقة اختبار الكتابة المزيفة

[SIZE=22px]هناك نوعان من هذه الروايات المعروفة بالبيست سيلر .. احدهما مغرق في المحلية ويراهن على ذهنية الجماهير الغفيرة لدى الطبقة الشعبية والريفية.. وعادة ما تكون موضوعاته عن الاشباح والموتى والمغامرات المثيرة، واحيانا الديستوبيا والفنتازيا،وهذا النوع بسيط وفاضح لنفسه لانه محلي الصنع تماما.[/SIZE]

اما النوع الثاني فهو الاخطر لانه يسعى لان يكون راقيا.. فيتماهى مع أساليب الروايات المترجمة التي ذاع صيتها مؤخرا، فيسير على خطاها في نفس التقنيات والموضوعات والعوالم، حتى أن بعض قرائه قد يرونه افضل من الكتابة الأصل .. ليس لانه استطاع ان يتجاوز اخطاء الاصل ولكن لانه يتمتع بالبعد الأحادي في الرؤية والفكر، مما يجعله سهلا بسيطا قابلا للتداول في كثير من الاوساط والجماعات.
يمكن اعتبار هذا البعد اهم العوامل الفاصلة بين الكتابة الحقيقية والكتابة المزيفة ..فالواقع الدامي يترك آثاره على أيد كاتبه، حتى اننا نشعر بقلق الكاتب وتوتره في كل سطر.. مما يجعل كتابته من لحم ودم كما يقولون، وليست مجرد صورة بها لحم ودم.
في الكتابة الحقيقية هناك اكثر من بعد، اكثرهم صعوبة على التزييف هو البعد النفسي، حيث قلق الكاتب ومدة تماهيه مع شخوصه وازماتهم النفسية واسئلتهم الوجودية، وهناك محاذيره ككاتب ورغباته التي يسعى لاخافائها لكن أطرافها تطل من بين طيات السطور.
وهناك بصمة اخرى، لا تفقد الا أثناء الترجمة، وهي غبار الكتابة ورتوشها، فالكتابةالكتابة الحقيقية تشبه نحت التماثيل، دائما ما يعلق بها ذرات من غبار المكان التي ينتبه النحات الى سنفرتها، وبالقطع لم يتركها متعمدا، لكنها مرت في اثناء العمل كجزء من فوضاه الطبيعية ، وبعض من انعكاس حالته النفسية على العمل، ومن فرط إنشغاله بأمور أكثر أهمية منها في عمله، وهذا ما يحدث بالضبط في الكتابة، وما يتوقف امامه بعض النقاد او القراء أحيانا، ومن ثم فعادة ما تتخلص الترجمة من هذه الرتوش.. وتجعل من نص يبدو مطفيا في لغته نصا لامعا في لغات أخرى، او تفقد نصا بليغا في لغته بصمات وعرق هذه البلاغة الناشع في كل جملة في الحوار أو السرد.
من هنا يمكننا ان نكتشف البيست سيلر الذي يسعى لان يكون راقيا.. فهو اشبه بالمنحوتات التي تصبها المصانع. ناعما لكنه بلا روح، ويشبه الاعمال المترجمو بلغتها الرشيقة البسيطة وحوارها الفصيح.
خلطة البيست سيلر معروفة، فغالبا هناك قصة حب وجريمة ونوع من الاكشن والاحداث المثيرة، لكن ثمة تطويرات تحدث حسب الموضة الرائجة في الكتابة، والتي تحددها عادة الجوائز أو الرواج المفاجئ لعمل ما، مما يجذب بكثافة حضوره انظار كتاب البيست سيلر، المعنيين بالتوزيع أولا، فتروج الكتابات الصوفية بعد نجاح " قواعد العشق الأربعون"، او الرواية التاريخية بعد "شيفرة دافنشي"، ويسود الجمع الحاضر والماضي على غرار ما حدث فيهما، ونشعر اننا امام عمل حداثي معرفي مدهش، لكننا بقليل من التأمل نعرف ان الكاتب صنع باترون من بيست سيلر مترجم ونحت عليه، دون ان يدري أن النموذج الذي نقل عنه هو نفسه عمل مزيف وليس كتابة حقيقية، وان الاصل يكمن في رواية لساراماجو "تاريخ حصار لشبونة" أو " أطفال منتصف الليل لسلمان رشدي" ، أو " فرونيكا تقرر ان تموت" لباولو كويلهو.
ويلقي العمل المزيف رواجا كبيرا، حتى لدى قطاعات كبيرة من النخبة، ولا يفضحه إلا ما يتمتع به من أناقة ونظافة ومستوى احادي في الرؤية ومخاطبة القارئ.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى