د. أحمد الحطاب - السَّلامُ عليكم

"السلام عليكم" هي التحية التي يلقيها المسلمون، بعضُهم على البعض الآخر، حينما يلتقون في الأماكن العامة بمختلف أنواعها وداخلَ وخارجَ منازلهم. "السلام عليكم" تكتسي صبغة دينية، أي لها علاقة بالدين الإسلامي، أي بالإسلام. والإسلام معناه هو الخضوع لله وامتثالٌ لأوامره.

وحينما نقول إن فلاناً مُسلِمٌ، فهذا يعني أن هذا الفلانَ دينُه الإسلام، أي أسلم نفسَه لله، خضوعاً له وطاعةً لأوامره. وأسلم تعني، كذلك، الدخول في السِّلم، أي الدخول في أمنٍ وأمانٍ واطمئنان وحسن جوارٍ وتصالُحٍ… وكلمة "إسلام" هي مصدر فعل "أسلَمَ". وكلمة "سِلْم" مرادفة لكلمة "سلام" التي تعني، هي الأخرى، الأمن والأمان والطمأنينة…وكل هذه الكلمات (سلام، سِلم وإسلام) مشتقَّة من جذر واحدٍ وهو"س ل م". إذن، المسلم هو، أولا، كل فردٍ دينُه الإسلام بأركانه الخمسة، ثانيا، يُسْلِمُ نفسَه لله خضوعاً وامتثالاً لأوامره، ثالثاً، وخضوعُه لله يُحتِّم عليه أن يعيشَ، هو والمسلمون الآخرون، في أمنٍ وأمانٍ واطمئنان وحسن جوارٍ وتصالُحٍ…

فحينما يُلقي المسلمُ السلامَ على مسلمٍ آخر، ويردُّ هذا الأخيرُ السلامَ على المسلمِ الأول، فكأنهما يقولان، الأول للثاني والثاني للأول : "يسود بيننا جوٌّ كله أمن وأمان واطمئنان". أو، بعبارة أخري : "عندما نلتقي في أية بُقعةٍ من بقاع الأرض، أنا (الأول) أوفِّرُ لك (الثاني) وأنتَ (الثاني) توفِّر لي (الأول) الأمنَ والأمانَ والاطمئنان. وهذا هو ما يُِِْؤكِّده إلقاء السلام في صيغته الكاملة : "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته". وهو ما يمكن تفسيرُه كالتالي : "عليكم الأمن والأمان والاطمئنان… ورحمة الله تشمل الأمن والأمان والاطمئنان والرأفة وكل ما فيه خيرٌ للناس. أما البركة، فهي مكمِّلة للرحمة، أي إضافةً إلى الأمن والأمان والاطمئنان والرأفة وكل ما فيه خيرٌ للناس، فالمُسلِّمُ يتمنى للمُسَلَّم عليه النماءَ والزيادةَ في كل ما له فيه نفعٌ. ولهذا، فكلمات "سلام"، "سِِلم" و"إسلام" مرتبطةٌ فيما بينها وتسعى إلى تحقيق ما فيه خيرٌ للناس المسلمين. وانطلاقا من هذه الاعتبارات، فالإسلام، كدين، يسعى إلى ما فيه خيرٌ للناس.

والله، سبحانه وتعالى، في قرآنه الكريم، أعطى للسلام، كتحيةٍ، أهمِّيةُ بالغة، مصداقا لقوله، عز وجل : "وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا" (النساء، 86)، أي إذا أُلقِيَ عليكم السلامُ، كتحيةٍ، إما أن تُسلِّموا بما هو أحسنُ منه، وإما، على الأقل، أن تردوه، كما سُلِّمَ عليكم به.

وحينما يقول، سبحانه وتعالى : "وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَنْ يشاءُ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" (يونس، 25). في هذه الآية، "دارُ السلام" هي الجنة. فلماذا سمَّى اللهُ الجنَّةَ ب"دار السلام"؟ لأنها مكانٌ يُحسُ فيه مَن أُدخِلَ إليه بالأمن والأمان والاطمئنان وراحة البال وكل ما ترتاح له النفسُ البشرية، مصداقا لقوله، سبحانه وتعالى : "مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا" (الإنسان، 13). وراحة البال مُعبَّرٌ عنها، في هذه الآية، ب"لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا"، أي لا يحسُّون فيها لا بالحر ولا بالبرد.

بعد هذه التوضيحات، هناك سؤال يروج في ذهن كثيرٍ من الناس : "هل إلقاء السلام فرضٌ أو سنةٌ أو فقط واجبٌ يفرضُه حسن السلوك والأخلاق"؟

حسب رأيي الشخصي، الدخول في جدلِ هل إلقاء السلام فرض أو سنة، مضيعةٌ للوقت ما دام ليس واحدا من توابث الدين الإسلامي. ولهذا، أنا شخصيا أعتبر إلقاءَ السلامِ مبدأًً أو إن شئنا واجبا مدنيا يفرضه، إضافةً إلى التسامح tolérance، التَّساكن cohabitation والتَّعايش coexistence والمعاملات les transactions sociales وحُسن الجوار le bon voisinage واللياقة politesse داخلَ المجتمعات.

وهذا يعني أن إلقاءَ السلام مبني، أولا وقبل كل شيءٍ، على قيمٍ إنسانية واجتماعية، وهو ما تُؤكِّده الآية رقم 27 من سورة النور : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ".

إنسانيا وأخلاقيا، السلام، كتحية، أصبحت على أطراف كل الألسِنة وبلُغات وطرق مختلفة. بل إن الآباء والأمهات والمدرسة، كونيا، يحثون الأطفالَ، منذ نعومة الأظافر، على التَّعوُّد على إلقاء السلام والرَّدِّ عليه. بل إن إلقاء السلام والرَّدِّ عليه أصبح قيمةً إنسانية واجتماعية تُتوارث من جيلٍ إلى آخر. إن لم نقل إن إلقاءَ السلام والرِّّدَّ عليه، أصبح جزأً أو عنصرا من ثقافات الآداب واللياقة politesse ou convenances في المجتمعات.

وبما أن إلقاءَ السلام والرَّدِّ عليه أصبح عنصرا من ثقافات الآداب واللياقة، وبما أن كل المجتمعات البشرية متشبِّثة بإلقاء السلام والرَّدِّ عليه، فمن المنطقي أن يكونَ لهذه الثقافات وظيفة أجتماعية أو أكثر. من بين هذه الوظائف، أذكر على سبيل المثال ما يلا:

1.الوظيفة الأولى : إلقاء السلام والرَّدِّ عليه وسيلةٌ من وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا يعني أن إلقاءَ السلام مدخلٌ لهذا التواصل، أي أن إلقاءَ السلام قد يكون مدخلاً لتبادل الأخبار والأفكار… وقد يكون مدخلاً لمناقشة فكرةٍ أو خبرٍ راهنين روَّجت لهما مختلفُ وسائل الإعلام…

2.الوظيفة الثانية : احترام الغير والاعتراف به، أي أن الشخصَ الذي يُلقي السلامَ على شخصٍ آخر، فكأن المُلقِي يقول للمُلقَى عليه "إن لك مكانة عندي"

3.الوظيفة الثالثة : إلقاءُ السلام والرَّدُّ عليه، إذا تكرَّرَ بين نفس الأشخاص، قد يكون انطلاقة لبناءِ صداقة بين هؤلاء الأشخاص، بين الجيران، بين تلاميذ في طريقهم إلى المدرسة، بين موظَّفين في نفس الإدارة، بين عمال في نفس الشركة…

وفي ختام هذه المقالة، أريد أن أُثيرَ انتباهَ القارئ أنه، لو لم يكن لإلقاء السلام وظيفة إنسانية واجتماعية، ما ذكره اللهُ في قرآنه الكريم. ولو لم يكن لإلقاء السلام والرَّدِّ عليه، احترامٌ للغير، لَما طلب، سبحانه وتعالى، من رسوله محمد (ص) أن يردَّ السلام على المؤمنين الذين جاءوا إليه لإعلان توبتِهم عن ما ارتكبوه من ذنوب، مصداقا لقوله، سبحانه وتعالى: "وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" (الأنعام، 54).

هذه الآية تكتسي أهمِّيةً بالغة. لماذا؟

1،لأن ردُّ السلام يُعبِّر عن تواضع مَن يردُّ هذا السلام ولو كان رسولا أو نبيا.

2.الله، سبحانه وتعالى، كما قلتُ في العديد من مقالاتي، يريد الخيرَ لعباده. يكفي أن يستغفروا أو أن يتوبوا ويعملوا الصالحات ليغفرَ لهم ذنوبَهم.

3.ردُّ السلام يُعتبرُ أساسا لاحترام الغير ولإعطائه القيمةَ التي يستحقها كإنسان.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى