أمل الكردفاني - عفونة الآخر

عندما ينظر البعض إلى الآخر ككائن قذر مقرف، لكونه مسيحيا أو مسلماً أو هندوسيا، فهذا غريب بالفعل. السواق الهندي المسلم يسكن مع فلبيني مسيحي في غرفة واحدة ولا يأكل طعامه ويرى ذلك مقرفاً، رغم أن هذا الهندي لا يستحم الا مرة واحدة كل ستة أشهر. إحدى قريباتي لديها نفس المشكلة مع المسيحي العربي، لكنها تاكل من طعام المسيحيين الغربيين. هذا الشعور متوفر تجاه الأقباط. وسنجده تجاه الهندوكيين بمختلف عباداتهم والصينيين. إذ يختلق الدين حاجزاً نفسياً بين الشخص والآخر، الحاجز الذي بنته التوراة على اتباعها وجعلتهم يحيون تاريخياً داخل مجموعات لا تقبل التداخل الاجتماعي. والذي انتقل الى الإسلام حينما حكم بنجاسة غير المسلمين:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا ۚ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة-(28) وفسرها الطبري بأقوال مجملها أن نجاستهم بسبب كونهم جنب لا يغتسلون، وفسرها محدثون بالنجاسة المعنوية وليس لهم في ذلك سند يذكر.
وهكذا تم خلق حاجز نفسي غريب، وهو الأشعار بالتقزز والقرف من الآخر المختلف.
هذا الحاجز انطلق من الأديان، وتمدد نحو التمييزات العرقية ولون البشرة، فالأبيض يتقزز من الأسود، والغربي من العربي، والعربي من الشرق آسيوي. لقد أشار حمور زيادة لتلك الروح المتقززة من الآخر، عندما كان الراوي يسرد رحلة الراهبات إلى بلاد السودان في رواية شوق الدرويش، فقد أشار إلى عفونة رائحة السود. وفي السودان نفسه، دعا أحد الصحفيين لانفصال الجنوبيين وذهابهم بعرقهم وعرقيهم، اي برائحة عرقهم العفنة، وخمر العرقي البلدي.
غير أننا لو نظرنا للمسألة بعين محايدة، لما وجدنا في ذلك اختلافاً عن ما يحدث في سائر الحيوان، فالأمر يتعلق بالتحيزات الجماعية، غير أنها عند الحيوان تحيزات بمبررات مجردة. ففي أحد الأفلام الوثائقية أوقع الحظ العاثر أحد صغار الأيائل في بركة آسنة وكسر ساقه، فتغير شكله وتغيرت رائحته، عندها نبذته امه ونبذه القطيع، بل تم طرده، وهكذا أضحى فريسة سهلة للوحوش. وتقوم الأسود بالتبول حول مناطقها لتطلق رائحتها الخاصة، مانعة الحيوان الأخرى ممن لا يمتلك تلك البصمة من الاقتراب. وتتمايز القطعان بالرائحة ولو كانت من نوع واحد، وتتعاون أو تتقاتل كذلك لذات المبرر..أما الإنسان فقد تجاوز حدود المعقول، وجعل الرائحة ترتبط بقضايا وهمية كالدين، والعرق..الخ. يعتقد كثير من السودانيين ان الأقباط لديهم رائحة نتنة. وهذا غير صحيح. إنما استطاع الدين ان يربط بين الرائحة بصور مختلفة (كلحم الخنزير، وعدم الاغتسال من الجنابة) فأثر في الصورة الكلية للآخر. يعتقد اليهود نفس الأمر في أصحاب الديانات الأخرى، لأن قواعد الطهارة عند اليهود متطرفة جداً. وقد خفف الإسلام من تلك القواعد اليهودية كثيراً لتكون محتملة، وعلا قليلاً على قواعد الصابئة المندائية.
وفي الصراعات الإنسانية قد تستخدم الإشاعة بالنجاسة والقذارة لاغتيال شخصية الآخر أيضاً، سواء على مستوى الأفراد او الجيوش. إذ يتم نشر أخبار حول مسائل تتعلق بالنظافة عند العدو، تتطعن في نظافته وتؤكد قذارته وهكذا يتم تنفير الآخرين منه.
قبل ان اختم..لاحظت ان الفيس بوك وضع شمعدان اسرائيل المتعلق بعيد حانوكا ضمن خيارات تلوين الصفحة. فاين توكل كرمان الإخوانية من ذلك وهي الآن تعمل عندهم؟
  • Like
التفاعلات: نقوس المهدي

تعليقات

تحية أخي أمل الكردفاني
العديد من المعتقدات والخرافات والأقاويل تساعد على زرع مثل هذا النوع من الشوفينية، والصراع الديني متأصل منذ الازل في اشاعة الكراهية والإقصاء ونفي الاخر عبر وضع ترسانة من التبريرات الواهية والوشاية التي يبثها غالبا رجال الدين ، وقد تضرب عميقا في التاريخ مثل الصراع اليهودي الاسلامي .. بالرغم من ان كل الشهادات التاريخية يثبت براءة الاديان من هذا الصراع فاليهود أفادوا الحضارة العربية والاسلامية أكثر من المسلمين أنفسهم ،
في المغرب يقول العامة (كل أكل اليهودي ولا تنم في فراشه، ونم في فراش النصراني ولا تأكل أكله)، ولعل ذلك منطلق من ان المسيحي يأكل لحم الخنزير ، فيما أن أكل اليهودي حلال وجسمه نتن ، وذبيحته حلال، وذات مرجعية دينية ، بعكس ذبيحة المسيحي، الذي يحرم البعض الترحم عليهما معا
محبات
 
أعلى