جمال عياد - الكرسي في المسرح ..

يتمظهر استخدام مفردة الكرسي في الفضاء المسرحي، في صورتين على الأغلب؛ الأولى أيقونية، بمعنى ظهور هذه المفردة كما هي في دلالتها على أرض الواقع؛ والثانية دلالية متحولة في السياق المرئي والمسموع ضمن مشاهد المسرحية كالشخوص الإنسانية، والأمكنة المتغايرة وبحسب التأويلات المتعددة.

لكن السؤال الأهم، الذي يطرح نفسه في هذا المضمار، هو: لماذا يكثر استخدام هذه المفردة، أكثر من المفردات الأخرى، في الفضاء الأدبي الشعري والقصصي والروائي والدرامي في النصوص الأدبية المسرحية والتلفزيونية.. وفي الفضاء المسرحي الدلالي أيضا؟
ربما يكون السبب متعلقا في ما شهده الإنسان منذ أن جاء إلى الأرض، من تطور اقتصادي واجتماعي، فالكرسي من الأدوات أو قطع الأثاث، وسوى ذلك من الاستعمالات وتلك المسميات الموصوفة به، والتي اخترعها وصنعها البشر، بحيث رافقته عبر تطور أجياله، ونشأت بينهما رابطة وعلاقة حميمتين، سواء في الوعي أو اللاوعي، بفعل استخداماته المتعددة، للدرجة التي عكست بنفسها أهمية هذه العلاقة، في إبداعه وبمختلف أجناس الأدب والفنون.
ظهور الكرسي أيقونيا
ومن ضمن استخدامه أيقونيا، يتجلى إظهار الكرسي في تعميق قوة الشخصية لجهة مهابتها، وخصوصا طغيان سلطتها واستحواذيتها على ما سواها وما دونها من الشخوص الأخرى، فيظهر مثلا كرسي الملك كريون طويلا في خلفيته، في بؤرة المسرح، في مشاهد المسرحية الإغريقية انتيغوني، بحيث أن طبيعة تصميم هذا الكرسي، وبضخامته وتصميم الإضاءة وبألوانها الساقطة عليه، تكمل إبراز هذه الشخصية بتلك المواصفات، بينما كانت تظهر، في المسرحية نفسها، كراس أخرى أصغر بجوار هذا الكرسي الضخم وحوله، فضلا عن التعامل السينوغرافي الخاص مع هذه الكراسي الصغيرة، التي تبدو أقل مرتبة اجتماعية وسياسية. وبالتالي فإن استخدام هذا التمايز في الحجم، لمفردة الكرسي أيقونيا، واختيار الأمكنة الرئيسة والثانوية، على خشبة المسرح، يسهم بقوة في إظهار الشخوص المتباينة في مواقعها الاجتماعية المقارنة، وفي جعلها تبقى حية وتتطور لتعيش حتى نهاية الحدث الأخير في المسرحية، وهذا ما تضمنته فضاءات أكثر من مسرحية محلية وعربية.
دلالات متحولة
أما الاستخدام الثاني الآخر للكرسي (المتحول)، والأكثر ثراء دلاليا وبلاغيا، في تعميق المعنى، فيتجلى في توظيفه لإنتاج إشارات يتواصل معها المتلقي إلى ما لا نهاية من الصور والمعاني، إذ أن المخرج يستطيع أن يتعامل مع هذه المفردة، مثل أي مفردة ديكورية أخرى، لكن هنا أيضا يبدو للكرسي خصوصية متعلقة بشكله وأطرافه وهو مقلوب، أو وهو متموضع على جنبيه، بحيث يستغل الإخراج هذه الميزات لخلق فضاءات مكانية من خلال تناغم عناصر العرض الأخرى، وخصوصا الممثل، مع هذه المفردة. غير أن المميز في أجواء بعض العروض، من حيث الإفادة من أطرافه، إحالة الكرسي إلى كائن يسير على أربع، ويطرح الحوارات التي تتضمن رسائل أساسة من محمولات العرض، غير أن الأميز في غير عرض هو تجسيد الممثل نفسه لدور كرسي بالمعنى الأيقوني، أي تحويل الكائن الحي إلى جماد، وبمختلف مواصفاته الإستاتيكية، التي ترخيها إيحائياته في الفضاء المسرحي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى