ناجح حسن - تنويعات على صورة الكرسي في السينما..

ثمة توجه سائد في السينما العربية (المصرية تحديدا) نحو الموضوعات والشخصيات التقليدية في حراك الحياة اليومية، يجيء ضمن النموذج الفني والفكري المعتاد في خطاب هذا النوع من الأفلام.. وهذه السينما بقدر ابتعادها عن التجريب والابتكار والخوض في غمار أو محاكاة ألوان مدارس وتيارات السينما الجديدة، فإن صورة وانعكاسات الكرسي بشتى تعابيره الدلالية أو كينونته في الواقع ظلت محصورة بمفهومه القاصر عن ذلك الشيء الذي اركنه صناع السينما في زاوية مهملة في غابة من الصور والدلالات والإشارات داخل البوتقة المحدودة من قامات السينما العربية الرفيعة التي تشير في معظمها إلى تناقضات الواقع وانشغالاته.

قد يكون الفيلم الروائي المغربي المعنون ألف شهر لفوزي بنسعيدي من ابرز الأعمال السينمائية التي جسدت صورا ومفاهيم مفتوحة على فضاءات الكرسي ومعانيه ودلالاته.
فهذا الفيلم الذي احتفى به النقاد، واحد من الأفلام القليلة التي تحدثت بصدق وبأحاسيس مفعمة بالأمل والألم وقسوة الحياة عن أسرة مغربية مكونة من الأب الذي غيبه السجن عن والده الذي إلى جوار زوجة ابنه ومعهما ابن الزوج الطفل الذي يذهب الى مدرسته في إحدى ضواحي البلدة الفقيرة ليقتبس علما وسلوكا وهو لا يعلم عن سبب غياب أبيه سوى انه مسافر فقد حرصت والدته أن تخبره أن والده ذهب بعيدا للعمل والجميع بانتظاره
بيد أن الفتى الذي يظهر بين مشهد وأخر يحمل كرسيا على رأسه والذي لا يتوانى عن الجلوس عليه في محطات الاستراحة لحظة إيابه الى البيت قبل أن يتعرض لتأنيب من أستاذه عندما تحتم ظروف الفقر الشديد على جده بيع الكرسي مع سائر أثاث البيت المتواضع.
في أكثر من موضع وحديث صحفي قلل بنسعيدي من شان الظهور المتكرر للكرسي في صحبة الفتى لكنه ترك لخيال المشاهد أن يستخلص العبر من أجمل أحداث الفيلم .
لكن أهمية توظيف الكرسي كحالة من التقدم والارتقاء الوظيفي اشتغلت عليها السينما العربية الجديدة في أفلام سورية ولبنانية ومصرية متنوعة وخصوصا كما تبدو في محاولة المخرج السوري مروان حداد بفيلمه المتميز / حبيبتي يا حب التوت / وهناك أيضا فيلم /حادثة النصف متر/ لزميله سمير ذكرى وكلا العملين يبرزان سعي موظفين صغيرين في القطاع العام إلى تبؤ مناصب متقدمة مما يقودهما بالتالي إلى التحرر من التزاماتهما الأدبية والأخلاقية تجاه أفراد مقربين في بيئتهما الاجتماعية.
مثل هذا التنوع والفهم الواعي لوظيفة واستخدامات الكرسي فقد عملت الأفلام الكارتونية والتجريبية على إبراز حضوره المادي والمعنوي في حياة المشاهد وإسباغ الكثير من مفردات اللغة البصرية والجمالية على تكويناته وظلاله المنغمسة في الوجدان الإنساني بعيدا عن تلك الأسماء الساذجة التي عنونت به العديد من الأفلام العربية والأجنبية /كرسي في الكلوب/.. /اثنا عشر كرسيا /.. وسوى ذلك، أو ما هو في اصطلاحات النقاد/مقعد امام الشاشة/../كرسي على اليسار/..وما في حكمهما.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى