كريمان الكيالي - فوبيـا الكراسي

برغم انها كانت حكرا على طبقة الاثرياء والموظفين الحكوميين، الا ان الاحساس بها وكأنها وجدت مع الانسان منذ الازل.. كثيرون لايستطيعون ان يتخيلوا حياتهم بدون كراسي يجلسون عليها، فهي ترمز للراحة والمكانة الاجتماعية والرقي...

يمثل ''الكرسي'' في ذاكرة كثيرين.. لعبة ممتعة تجمع بين الرياضة والتسلية. الركض واللهاث والمراوغة على عدد من الكراسي اقل من عدد المتسابقين ولو اقتضي الامر عرقلة البعض، ووقوعهم أرضا او حتى اصابة العديد منهم بكدمات ورضوض لتبقى المنافسة بين اثنين يفلح احدهما في الجلوس على الكرسي قبل الاخر..
بمفردات من المال والنفوذ والشهرة... تبدأ '' لعبة الكراسي'' عند الكبار، تجسد رغبة حقيقية في الاحتفاظ بهذا '' الكنز'' الثمين بكل الوسائل حتى غير المشروعة.، تؤكد ما رمى اليه '' مكيافيلي'' قبل حوالي خمسة قرون (سهل على الانسان ان ينسى والده ، من ان ينسى ضياع ارثه وممتلكاته )ومايزال ''الكرسي'' - رمزا لصراعات تقذف بمستقبل وحياة شعوب الى الهاوية..
'' ظهر وقاعدة وارجل '' ميزة يتمتع بها الكرسي عن سواه من المقتنيات، مواصفات دفعت كثيرين للتمسك به منذ الصغر... خطوات متعثرة تدفع الطفل باتجاه الكرسي.. تسابق على اختيار المقعد الافضل في بداية العام الدراسي، تنافس من اجل الحصول على مقعد في الجامعة، وفي المناسبات المختلفة يكون السعي من اجل الحصول على مقعد في الصفوف الامامية اكثر ما يشغل بال المدعوين .
في المشهد الانتخابي... بصوت منهك يبرر مسن عدم مشاركته بالانتخابات النيابية التي جرت مؤخرا في المملكة بعدم ثقته بالوعود والعهود التي يطلقها المرشحين، فما يقدم ليس اكثر من شعارات انتخابية (حكي في حكي ) حسب قوله.. اذ بمجرد ان يحصل المرشح على مقعد في مجلس النواب ينسى انه ممثل لناخبيه.. ويضيف بتهكم.. للكرسي سحر عجيب ، ليس على النواب وحدهم بل وغيرهم من اصحاب الكراسي والمناصب والنفوذ.. يتجاهلون بان لاشيء يدوم سواء الكرسي اومن يجلس عليه.!
ويستذكر ''آخر'' تجربة ما يزال يتجرع مرارتها منذ اكثر من ثلاثين عاما مع احد عشاق الكراسي حين. تخرج بتخصص كان نادرا من احدى الجامعات في الخارج.. وعين باحدى مؤسسات القطاع العام، وبعد اشهرتم نقله بقرار من رئيسه الى احدى المحافظات في المملكة بلا مبرر... ربما خاف على الكرسي!!، وكانت الصدمة والقرار بالاغتراب.. قد يختلف الاحساس بالكراسي هناك!!! '' الكل يحب الكرسي'' قناعة ترسخت حتى في اكثر الدول ديمقراطية، بعد انتهاء مدة رئاسته ، سئل الرئيس الامريكي السابق '' كلينتون'' هل ترغب في تمديد ولايتك ،؟ اجاب نعم ،،ولكن القانون لايسمح بذلك... اما طلب الرئيس الفنزويلي '' شافيز'' تعديل الدستور ليسمح له الترشح بدون قيود زمنية فقد شكل سابقة، قوبلت بالرفض من قبل ''51%'' من افراد الشعب في استفتاء عام....!! الكرسي.. المصطلح الاقرب للسياسة - السلطة - الاهم.. امتيازات ومنافع ومكانة اجتماعية تفسرالسباق المحموم نحو البرلمان عبر استنفار الاهل والعشيرة والبعض ينفق اموالا طائلة على الحملات الانتخابية، وشراء الاصوات باساليب مبتكره اقرب لـ'' الفهلوة''.. استاذ الاجتماع بالجامعة الاردنية '' د. موسى اشتيوي'' يقول: الاصل في الكرسي - الرمز ان يكون الموقع الاقرب للخدمة العامة.. لكنه مع الاسف يتحول الى جملة من المكاسب الشخصية للفرد والاسرة والعشيرة.. وفي ظل مفهوم سائد يقر بان الشخص اهم من الدستور والقانون، يتبلور التفسير المنطقي لهذا البريق الاخاذ للكرسي الذي يدفع بعض ذوي النفوذ لاجراء التعديلات الدستورية وربما تغيير القوانين لضمان ملكيته مدى الحياة ومن ثم توريثه للابناء.. والامثلة واضحة في عالمنا العربي.. يضيف '' د. اشتيوي'' الجميع يبحث عن الكرسي.. كثيرون يفضلون وظيفة يتبوأون فيها مناصب سياسية اكثر بكثير من اي وظيفة اخرى مهما ارتقت الى مصاف العلماء والمفكرين والباحثين.. احترامنا للعلم والتعليم '' شكلي'' فقط.. بدليل ان كثيرا من اساتذة الجامعات وانا واحد منهم يواجه بسؤال'' متى ستصبح وزيرا؟ اعتقدنا بان اسمك سيرد في التشكيلات الجديدة..!!'' وكأن الوظيفة الاكاديمية ليست بذات قيمة، القناعات في المجتمعات المتقدمة تختلف كثيرا، التقدير للاشخاص وليس للمناصب التي يتولونها... هناك احترام حقيقي للعلم والتعليم، ولكل فرد مكانته ودوره سواء كان يعمل في حقل السياسة او الاقتصاد او التعليم والادب ..
دراسة مختصة تصف ''لعبة الكراسي عند الكبار'' بأنها حالة ذهنية اقرب ل''الفوبيا'' تسعى لمطاولة الذات بالاخر بقصد تقليصه ليبدو اقل حجما، بسبب عقدة نقص يحاول صاحب النفوذ ان يتغلب عليها بالتشبث بالكرسي، او بسبب الاخر الذي يتحقق من خلال تلميع كراسي الاخرين..!! دراما ساخرة واجهت انتقادات حادة.. اعتبرتها رمزا للتغيير..'' لعبة الكراسي المتلاصقة ''.فنانان يجلسان على كرسيهما ولا يفكران بالنهوض ابدا وتتوالى احداث الحلقة وعندما يهم احدهما بالنهوض يكتشف بان الكرسي ملتصق بمؤخرته وكذلك رفيقه الثاني ..لتكون الرسالة التي حملت اسم المسلسل '' ما في امل''..!!
شغل '' الكرسي'' اهتمام المثقفين فكان الرمز والقدر والعنوان لعدد من الادباء المغاربة... مسرحية بفصل واحد لـ'' مصطفى لغتيري''.. اقصوصة لـ'' عبد النبي داشين''.. ديوان شعر لـ'' لمحمد اللغافي'' وغيرهم، وتعتبر مجلة '' كراسي'' اول مطبوعة ليبية متخصصة في ادبيات وفنون الكرسي وبأكثر من لغة ...
عودة للكراسي الحقيقية.. صمم الصينيون '' الكرسي المزدوج'' لاكثر من شخص، والامريكيون love seat...وهناك كراسي بتصميمات متميزة في عيادات اطباء الاسنان، والمقاهي والمسارح والطائرات، وتعتبر تلك المصنوعة من الجلد رمزا للقوة والمال والنفوذ، وتوجد كراسي للنخبة واخرى شعبية من البلاستيك الملون لايكاد يخلو منها بيت وهناك من تستخدم على الشواطىء .
قد يجد البعض في قول مؤلفة كتاب ( ألف كرسي ) '' شار لوت فيل'' ما يبرر الانجذاب للكرسي.. (يفضل الشخص الكرسي الجميل والمهم والمريح، لكن ليس من السهل العثور على كرسي مريح)..!!! ..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى