جمعة اللامي - "شيطان الكرسي": شهادة على الملاك

"عندما كنت أغضب من الذين حولي، فإن غضبي يظل أَبكَمَ. وأتذكر أنني كنت أريد أن أسأل عن أمر وصيتي، لو لم أقل فيما بعد: أوصي بماذا؟ ليس عندي سوى حذائي".
(مرجريت دوراس)
لم تكن الروائية الفرنسية، مرجريت دوراس، كاتبة سيناريو فيلم: هيروشيما حبيبتي، على وفاق مع الجنرال ديجول. فهي تراه يمينياً، وتعتبره سبباً مضافاً في اختيارها الانضمام للحزب الشيوعي الفرنسي؛ نكاية باليمين، وسخرية من التطرف الوطني.
هذا موقف "مابعد" الديمقراطية، في عرف هذه الكاتبة التي رأت ذات يوم، ان واجبها الاخلاقي يفرض عليها الدعوة إلى "تبييض" سجون فرنسا، وقد لبت نداء ضميرها.
لكن ديجول بالنسبة لبعضنا نحن العرب الذين لانزال ندعو ليلاً ونهاراً، إلى من يقتدي بقائد المقاومة الفرنسية، بعد موقفه من الجزائر، لأن ذلك الموقف يمثل لنا انتصار الانسان على الشيطان.
والخطوة الأولى في هذا الانتصار المرجو، هو هزيمة الشيطان على الكرسي، أي كرسي، في المكتب المنزلي، في الادارة الحكومية، في كراسي الوزارة، أو عند تلك الأريكة التي عشقها محمد علي باشا.
أحد زملائنا اللبنانيين، وهو الراحل جوزيف سماحة، أحد هؤلاء الكتاب المناضلين الذين هزموا "شيطان الكرسي" في داخلهم، وهو في لحظات الاختيار الحاسمة، خصوصاً عندما كان لبنان يتعرض إلى العدوان "الإسرائيلي" سنة 1982 بمساندة خريطة المنظومة الفكرية والسياسية والاعلامية التي تعاونت مع "العدو" علناً.
في تلك الايام، كان جوزيف سماحة، ثالث اثنين: كريم مروة وغازي العريضي: كان هاتف "الخليج" الدولي، يكاد ينفجر في ساعات معلومات من تلك الأيام، وما بعدها، حين كان هؤلاء الثلاثة يضعون قراء صحيفتنا في قلب الحدث اللبناني، بمهنية عالية جداً، وبأخلاق أصحاب القضية الوطنية والقومية.
وفي المناحي، أو المنحنيات الشخصية لكثير من زملائنا الكتاب والأدباء والاعلاميين العرب في تلك الفترة، نجد هزيمة "شيطان الكرسي" في كثيرين ونضع أيدينا أيضاً على صداقة عجيبة مع "شيطان الكرسي" إلى يومنا هذا.
بعض هؤلاء يساريون، أو هكذا يدعون، أو كانوا؛ لكنهم عبيد "شيطان الكرسي".
وبعض هؤلاء يمينيون، بيد أنهم على خصام مع ذلك الشيطان، تماماً كما هو ديجول، اليميني في عرف دوراس؛ لأنه لم يقبل أن يكون رئيساً لفرنسا عندما قال له اغلبية الفرنسيين: تعال أيها الجنرال.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى