علي حسين - في عشق "الكرسي"

جربوا ان تحلوا معي هذا اللغز المؤلف من ستة أحرف "الكرسي"، لانني حاولت ومنذ أشهر عدة، لا جدوى لا أمل.. في مذكرات سفتلانا الليونا ابنة ستالين تتحدث بازدراء عن الكراسي التي كان يحتفظ بها والدها والتي انتشرت في كل مكان، كيف كانت ترد موجات من الهدايا الى ستالين لكنه كان يعتز بالكراسي التي تهدى اليه وكان أبرزها كرسي مرصع من الرفيق" ماو" صنع في الصين.

يعرف قاموس اكسفورد الكرسي بأن له (أرجلاً ومقعداً وظهراً).. واصل كلمة «كرسي» العربية هو (كراس) بناء يجلس عليه، ويطلق على السرير أيضاً، ويقال (اجعل لهذا الحائط كرسياً)، أي ما يعمده ويمسكه.
والعرب نظرت الى الكرسي كبدعة ففضلوا عليه "التخت" وفرشوا عليه السجاد والوسائد ليستلقوا عليه بارتياح، وقد ذهب إعرابي لزيارة معن بن زائدة فوجده جالسا على تخت وثير فهجاه قائلاً:
"أتذكر إذ لحافك جلد شاة
وإذ نعلاك من جلد البعير
فسبحان الذي أعطاك ملكا
وعلمك الجلوس على السرير
كتبت شارلوت فيل، مؤلفة كتاب (ألف كرسي) أن الكرسي علامة على المكانة الاجتماعية والرسمية، ويعكس نفسية من يجلس عليه، وتضيف أن الإنسان عادة يفضل الكرسي الجميل والمهم، لكنه ربما لا يختار المريح..
وتشير إلى مذكرات إداري بريطاني في الهند في القرن التاسع عشر عن نجارين وطباخين وحدادين وباعة هنود يعملون وهم جالسون على الأرض.
كتب البريطاني: (لا افهم كيف يحسون بالراحة وهم يعملون هكذا.. ربما لأن عضلات أجسامهم ضعيفة، ولابد أن هذا واحد من أسباب تأخرهم.. أنا، كبريطاني، أتضايق من مثل هذه الأشياء).
تذكر كتب التاريخ ان الآشوريين اول من صنعوا الكرسي و ان الصينيين طوروه، وان الأمريكيين اخترعوا النوع الهزاز وأشهر هذه الكراسي الذي استعمله الرئيس جون كنيدي لأنه عانى من آلام في ظهره بسبب جروح إصابته خلال الحرب العالمية الثانية حيث استعمل الكرسي في الكونغرس عندما كان عضوا فيه، ونقله إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، عندما فاز بالرئاسة، ووضع واحدا مثله في منتجع كامب ديفيد، وثالثا في الطائرة الرئاسية ليرافقه في رحلاته في الداخل والخارج، وكان هديته المفضلة لأصدقائه وللملوك والرؤساء الذين زاروا الولايات المتحدة، واشتهر منذ ذلك الوقت باسم الكرسي الهزاز.
ينبهنا سارتر الى ضرورة مراقبة الطريقة التي يتحدث فيها الحكام وهم يجلسون على كرسي السلطة والى مراقبة المفردات التي يستخدمونها والتي تختلف حسب قوله عن المفردات التي تستخدم عندما يلقي الحاكم خطابه وهو واقف، يحلل سارتر الظاهرة، مؤكداً ان الحاكم يتحسس كرسيه كلما تحدث "ان الحاكم يعرف كل هذا ويضحك كلما اكتشف ان وجوده مرتبط بهذا الكائن الصامت "الكرسي" هو يعرف ان هذا الكائن يشحذ فيه أسلحة الدفاع عن النفس ويحول الخسائر الى انتصارات".
يقول شيركو بيكه س: "نحن قوم الكراسي... عمرنا أطول من عمر إلهنا النجار" والحكام في عالمنا الثالث عمرهم أطول من اعمار كراسيهم، لا تستطيع قوة ان تزحزحهم عن حكم البلاد، لا يهتز لهم جفن فهم يدركون جيداً ان شعوبهم خانعة، خائفة، لا تملك الا الصمت ولا يصلح لقيادتها الا حاكم يعشق كرسيه، حكام أبطال في قهر الشعوب، قادرون على أن يقرروا بأنفسهم كل شيء، طالما قلوبهم تنبض.. ليس مهماً أبداً أعداد العاطلين عن العمل، ولا الأمن الذي يذهب ضحية اللامبالاة، ولا تزييف إرادة الناس، فالحاكم يظل مبتسما على الرغم من انتشار الأمراض كالفساد، لانه ينعم وحاشيته بخيرات "الكرسي"، وهي كثيرة لا تعد ولا تحصى.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى