محمد علي عزب - مصطلحات ومفاهيم ( 11 ) القناع الشعرى

( 11 ) القناع الشعرى


عندما يستحضر الشاعر شخصية تاريخية أو معاصرة ويجعلها رمزا شعريا فاٍن هذه الشخصية / الرمز تكتسب اٍيحاءات جديدة وفقا لتوظيفها فى سياق النصّ الشعرى, وتظل مستقلة عن ذات الشاعر لا يتحدث بلسانها أو يتقمّّص دورها, أما فى تقنية القناع فاٍن الشاعر يتقمّص دور شخصية تاريخية أو معاصرة تتماس معه فى موقف شعورى ما, ونتيجة لهذا التماس تظهر ذات شعرية جديدة تتحدث فى القصيدة بضمير المتكلم, فالشاعر واٍن تحدث على لسان تلك الشخصية فاٍنه يتحدث وفقا لرؤيته ووعيه, وبذلك يعتبر القناع شكل غير مباشر من أشكال التعبير عن الذات المتماسة مع شخصية تراثية أو معاصرة فى موقف ما, والقناع كمصطلح وتقنية شعرية تأسس على يد الشعراء الاٍنجليز فى مطلع القرن العشرين, وعرف الشعر العربى تقنية القناع منذ ستينات القرن العشري والشاعر عبد الوهاب البياتى من أوائل الشعراء العرب الذين تحدثوا عن القناع الشعرى فى كتابه "تجربتى الشعرية" حيث قال أن : ( القناع هو الاسم الذى يتحدث به الشاعر نفسه متجردا من ذاتيته, أى أن الشاعر يعمد اٍلى خلق وجود مستقل عن ذاته, وبذلك يبتعد عن الغنائية والرومانسية وهو وسيلة للخلق الفنى عند الشاعر)1, وكان استعمال القناع الشعرى عند البياتى ( للتعبير عن المحنة الاجتماعية والثورة والتمرد )2 .
ومن الأمثلة التى يمكن نفرق فيها بين الرمز والقناع فى شعرنا العربى الحديث والمعاصر استحضار شخصية "كافور الاٍخشيدى" كرمز تراثى واستحضار شخصية الشاعر العربى الكبير "المتنبى" وتحويلها اٍلى قناع شعرى, وذلك فى قصيدة "من مذكرات المتنبِّى فى مصر" للشاعر أمل دنقل الذى قال فى تلك القصيدة على لسان المتنبّى / القناع :
أكره لون الخمر فى القنّينة
لكننى أدمنتها استشفاءا
لأننى منذ أتيت هذه المدينة
وصرت فى القصور ببغاءا :
عرفت فيها الداءا ا
أمثلُ ساعة الضحى بين يدى كافورْ
ليطمئن قلبه فما يزال طيره المأسورْ
لا يترك السجن ولا يطيرْ
أبصر تلك الشفّة المثقوبة
ووجهة المسودّ والرجولة المسلوبة
أبكى على العروبة (3) .
( صوت الذات هنا ليس صوت " المتنبى" أو صوت الشاعر أمل دنقل بل هو صوت القناع الشعرى مزيج من صوت " المتنبى" وصوت الشاعر أمل دنقل فى موقف ما، وقد اختار الشاعر أمل دنقل شخصية "المتنبى" لأنه كان قريبا من الولاة والحكام فى العصر العباسى، مدح بعضهم وهجا بعضهم فى شعره، و" كافور" هنا هو رمز للحكام العرب المعاصرين الذين يوجَّهون وسائل الاٍعلام و الشعراء والفنانين المقربين منهم للتعنّى بأمجاهم الزائفة )4 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ عبد الوهاب البياتى ـ تجربتى الشعرية ـ منشورات نزار قبانى ـ بيروت 1968م ط1 ص 35
2ـ المصدر السابق ص 35
3ـ أنظر أمل دنقل ـ الأعمال الكاملة ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ 1983م
4ـ محمد على عزب ـ أمل دنقل أيقونة الرفض والمفارقة ـ دار العماد للنشر والتوزيع مصر 2014م ص 26



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى