محمد علي عزب - ( 13 ) السرد الشعرى

(13)
السرد الشعرى



السرد هو فعل القصّ وقد عُرف السرد فى الأدب الحديث والمعاصر بأنه بنية نصية مكونة من عدة عناصر, هى "الراوى والمروى له ويؤرة الحدث والزمان والمكان ومنظور السرد, واٍيقاع السرد والشخصية", تلك البنية النصية أطلق عليها الشكلانيون الروس مسمى "المبنى الحكائى", وهو التجلى النصّى لما يسمى "المتن الحكائى" أو الحكاية, ومجموعة الأحداث كما حدثت فى الواقع أو الخيال, وبذلك تكون الحكاية هى المادة الخام أما السرد القصصى والروائى فهو المنتج الأدبى الذى تمت صياغته وتشكيله عبر اللغة الأدبية من الحكاية .
وعلاقة السرد بالشعر علاقة قديمة فالشعر الملحمى يعتمد فى بنائه على السرد حيث تجد أن الشاعر راويا, يقدم أحداثا يقوم بها شخصيات فى فضاء مكانى وزمن معين, ويختلف السرد الشعرى عن السرد القصصى فى أنه يميل اٍلى الاٍيجاز وعدم التشعب فى اٍيراد تفاصيل الحدث, ( ونلاحظ أن السرد فى العملية الشعرية يتخذ خصوصية تكمن فى طبيعة بنائه, حيث تصبح العملية السردية جزء من عملية أعم وأشمل, تشترك فيها الاٍيقاع والتوازيات, فى نقل التجربة فى بناء نص شعرى )1, ومن الأدوار الذى يقوم بها السرد فى بناء النص الشعرى أنه يساهم فى نسج وتركيب شبكة المتخيل الشعرى, ويربط بين أجزاء القصيدة كما يربط المونتاج السينمائى بين لقطات ومشاهد الفيلم, وهناك نقطة مهمة أود أن أشير اٍليها وهى أن السرد الشعرى يمكن أن يقدم ما يروقق لى بأن أسميه بالصورة الشعرية الحكائية القائمة على حكائية وحدثية السرد أكثر من المجاز, وهذه الصورة فى القصة والرواية تسمى صورة سردية أو "مشهد سردى", وطالما أن حضور السرد أو أحد عناصره فى الشعر يصبغه بصفة الشعرية, يروق لى تسمية "صورة شعرية حكائية" عن تسمية "صورة سردية", كما فى هذا المقطع من قصيدة "البكاء بين يدى زرقاء اليمامة" للشاعر أمل دنقل :
أيتها النبية المقدّسهْ
لا تسكتى .. فقد سكتُّ سنةََ .. فسنهْ
"قيل لى" : اخرس
فخرست وعميتُ .. وائتممت بالخصيانْ
ظللت فى عبيد "عبس" أحرس القطعانْ
أجتر صوفها
أردُّ نوقها ..
أنام فى حظائر النسيانْ
طعامىَ : الكسرة .. والماء .. وبعض الثمرات اليابسةْ
وها أنا فى ساعة الطعانْ
ساعة أن تخاذل الكماة .. والرماة .. والفرسانْ..
دُعيت للميدانْ .
اعتمد الشاعر أمل دنقل على الحكائية أكثر من المجاز فى رسم هذه الصور, فالشاعر راوى ذاتى يخاطب مروى له ممسرح "زرقاء اليمامة", ويجسد شعوره عبر تدافع الجمل السردية التى تعبر عن حالات وتحولات الذات الشاعرة فى زمن ومكان معين, ( وقد اتخذ الشاعر أمل دنقل فى خطابه مع " زرقاء اليمامة " من شخصية " عنترة بن شدّاد " قناعا شعريا يعبر به فى أحد مقاطع القصيدة عن رؤياه المعاصرة للنكسة وأسبابها، فعنترة الذى أمره حكام القبيلة بأن لا يتكلّم ظلّ بين العبيد فى قبيلته دعوه كبار القبيلة لمواجهة الأعداء فى وقت الحرب عند تراجع الرماة والفرسان )2 . وكما أن حضور السرد أو أحد مكوناته فى الشعر يجعله سردا شعريا يؤدى دورا مع باقى العناصر فى بناء النص الشعرى وتقديمه للقارئ, فاٍن اللغة الشعرية بطابعها المجازى عندما تنتقل اٍلى السرد القصصى أو الروائى فاٍنها تصبح جزءا منه, ولم تحضر لذاتها كى تعرض قدرة القاص أو الروائى على صياغة جملة شعرية مجازية, بل جاءت لتخدم البنية السردية القصصية أو الروائية لتقدم خطابا قصصيا أو روائيا


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ شريف رزق ـ آفاق الشعرية العربية الحديثة فى قصيدة النثر ـ دار الكفاح للنشر والتوزيع ـ المملكة العربية السعودية ـ 2015م ص 192
2 ـ محمد على عزب ـ الشاعر أمل دنقل أيقونة الرفض والمفارقة ـ دار العماد للنشر ـ مصر 2014م ص 10
مقتطف من الفصل الأول من كتابى النقدى "مصطلحات ومفاهيم فى الشعر ـ مقاربة نقدية فى مصطلحات شائعة فى الشعر العربى الحديث والمعاصر " ـ قيد الكتابة





تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى