د. أماني فؤاد - "الموت"!!... هذا الكائن الظل الذي يلتصق بنا..

عندما طُلب مني الاشتراك في الكتابة حول "الفن عندما يكون العالم على أطراف النهاية" تدافعت برأسي مجموعة من الأسئلة والتصورات في دفقة واحدة، للحد الذي جعلني استمهلها كي أعاود النظر فيها بروية.
كان أول الأسئلة وأهمها: هل ابتعدنا نحن العرب عن الموت أو النهايات في أي مرحلة زمنية منذ ما يقترب من قرنين؟ وما العلاقة بين إطلالة الموت وتلويحاته القلقة الغامضة بالفنون بأنواعها؟
ففي ظل الأوضاع الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط والحروب الطاحنة في كثير من الأقطار، وحضور الموت الكثيف، وإعادة تقسيم المنطقة وما يحاك لها، كَفر الكثيرون بالفن كما تشككوا بقيم وكيانات أخرى، ووجدوه دون طائل، ولا أثر له في ظل هذه الأوضاع الطاحنة. لكن البعض الآخر قد يجد فيه متنفسا يهرب فيه من قبح الواقع ودمويته، أو نهجا يبوح من خلاله عما يحدث له من أهوال لعل هناك من يشعر به قبل نهايات محتملة كل آن، فدائما ما كان للقضية الواحدة عدد من الطرق التي يتفرق البشر في رؤيتها وطرق تلقيها.
هل يعرف الفن النهاية أو النهايات، وهل يعترف بها، أم أنه وُجد لكي يقاومها؟ كل الأشياء تنتهي: يموت الإنسان ويتحلل حتى يصبح عدما، ينفد المال، تنهار الحصون والسلطات والدول، بعض الأفكار تتقادم ويحل محلها أخرى مستحدثة، الموجودات والأشياء يفنى معظمها أو تتحول صور وجودها، لكن هل ينتهي الفن أو يندثر ويموت، أو يأتي إبداع مستحدث ويَلغي ويَجُب ما قبله تماما؟ فلم تزل الرسوم والمنحوتات البدائية الخاصة بإنسان الكهوف التي عبّرت عن هواجسه في مرحلة من الزمن تتجاور مع كل ما تلاها من فنون بالرغم من فناء من رسمها، وكل ما أحاط بها من معطيات.
لماذا يبقى الفن ونظل بحاجة إليه؟ هل لأن الفنون جدلٌ بين رؤية الإنسان للحياة، ومخاوفه وطموحاته فيها، وذاته، أقصد إنسانيته؟ هل لأن الفنون رحلة صهر وتشكيل بين الإنسان والتقنيات الفنية بتنوع المادة التي يستخدمها المبدعون؟ هل تقتطع الفنون من روح مبدعها بعض طاقته وحيويته، صدقه وعنفوانه، حقيقته؟
هل نحارب نحن البشر النهايات بالفنون؟ أعني هل يذهب المبدع طواعية للفنون حين تجتاحه الأسئلة، ولا يعرف إجابة دون أن يضعها في إطار فني وفيه يعيد طرح ذاته، وذوات الآخرين، صراعاته مع الوجود ومع الآخر، حيرته مع الحياة وأسئلتها، ومع لغز الموت ذاته؟
أحسب أن الفن نشأ في حضن الموت، حضن النهاية والقلق من العدم، ونما في عباءته السوداء، فأحدث فيها دوائر بيضاء مضيئة، تستنطق هذا الموجود العدمي "الموت"، كما تحاربه بالحياة والوجود، مارس الفن مع لغز العدم تفكيك الوجود ومساءلته؛ ليعيد تشكيله على نحو فني مغموس في الكيان البشري.
ففي ظل تلك الأوضاع المحتقنة في منطقتنا، سواء من الحروب أو الأوبئة يتساءل البعض: هل للفنون دور أو أهمية في حياة الإنسان المعاصر في منطقتنا تلك، هل تسهم في إبراز وصقل إنسانية البشر؟ لماذا نلح ونؤكد علي أهميتها مصدرا أساسيا في التكوين العقلي والوجداني لكل طبقات المجتمع وأفراده؟
لتلك القضية أبعاد عميقة ومتشعبة، فالفن في جوهره أحد أشكال تعبير الروح المطلق عن ذاته، حيث تتمثل فيه قيم الإنسان ومشاعره وأفكاره بطرق تعبير ومناظير متعددة، نستبين من خلاله حقيقتنا الإنسانية التي تضعنا الفنون أمامها بشكل كثيف، علاقة تتميز بالمواجهة العميقة والبلورية في سياق جمالي غير وعظي، ببنيات تشكيلية أو لغوية أو مشهدية متجددة على الدوام، فنعرف ونعي عن أنفسنا ما قد نستشعره لكن لا نستطيع التعبير عنه بهذا الوضوح أو التجسيد أو الرمز الشفيف الذي تقدمه الفنون، فاللوحة التشكيلية، والمقطوعة الموسيقية، والتابلوه الراقص، والكتلة النحتية، القصيدة والمسرحية، والقصة والرواية، الفيلم السينمائى، كلها ألوان إبداعية تجسد طموحات الإنسان ونجاحاته، كما تشير إلى نقاط ضعفه وإخفاقاته، تضعه تحت دائرة التحليل والاستبطان والبوح، فنعرف ذواتنا ونستطيع أن ننقدها.
وفي اتجاهات ومدارس أخرى تشكل الفنون عوالم جمالية موازية لصلابة الواقع الذي تهدمه ثم تعيد بناءه من جديد، فتجعلنا نقفز نسبيا خارج الأطر الخانقة التي تكبل الروح البشرية. تطلق الفنون أعمق تخيلاتنا وتصوراتنا وأغربها عن العالم، سواء في جانبه المادي أو المعنوي، وأيضا عن الحيوات ما بعد النهاية أو الموت، تصوغ إنساناً قادراً على الانفكاك من وعاء الجسد بكل غرائزه، والتسامي في فضاء الروح بكل فيوضاتها وإمكاناتها، حيث يتعانق الجميل والقيم، حين تنصهر المتعة مع الفكر، وتنطلق المخيلة البشرية لتتصور امتدادات تقوض النهايات.
يقول (شوبنهاور) أن الحياة تتحكم فيها وتسيرها الإرادة التي يسميها "إرادة الحياة" أي تلك الطاقة الباطنية التي تدفعنا إلى الحفاظ على حياتنا، وتأكيد وجودنا دائما بكل السبل الممكنة، فالسعي إلى المعرفة، ومحاولة الهيمنة على هذا الوجود وفهمه، تأكيد الوجود ومحاربة النهايات والعدم من أهم خصائص الإنسان. هنا يحضر الفن بوصفه إرادة تحارب العدم وتساءله، سعي يحارب الموت.
فالفنون والآداب محاولة لإعادة صياغة العالم بشكل مغاير عما هو معهود ومتكرر، حيث ترينا الموجودات لا كما اعتدنا أن نراها في عاديتها وسطوحها الملساء الباردة، بل تقودنا لطزاجة الرؤية وغرائبيتها وكشف علاقات جديدة بها، كأنها تزيح التكلسات التي علقت بالأشياء والمعاني من كثرة اعتيادنا عليها على نحو ثابت، فتمنحنا الدهشة والتساؤل اللذين يكسران الرتابة وتضربها في مقتل.
فالإبداع الحقيقي يتجسد في الاستجابة المغايرة للأحداث أو لما نتوقع، فنتطلع إلى الفن بوصفه الوسيلة إلى إطلاق الخيال وتزكية الضمير، الأداة التي تساعد الإنسان على الانعتاق من أسر اليومي والعادي والضروري، وتسمو بذاته ليرتفع خطوات عن الأرض، عالقا بشص بين السماء وسماء أخرى، فيبقى أمل ما بداخل وجود طاحن عدمي. الفن الذى ينمى إنسانية الكيان البشرى وينأى به عن منطقة الحيوانية والغرائزية، يباعده عن الفردية والذاتية المفرطة، الإبداع الذى يدفع الذات البشرية إلى اعتراك حقيقي بالحياة، بمنظوماتها المعرفية العقلية والروحانية.
في هذا المقام علينا أن نتساءل لو أن المجتمعات العربية حاضنة جيدة للفنون والأدب، وأن هذه الثقافة لا تقتصر على النخب وفئة قليلة من المتلقين المهتمين بها، هل كنا سنجد استشراء للأفكار الأصولية المتشددة والرجعية بين الطوائف المختلفة؟ هل لو أن للفنون والفكر والحريات تواجد حقيقي في ثقافة القاعدة العريضة من الشعوب، هل كنا سنشاهد كل هذا القدر من الدموية والعنف ورفض الآخر المختلف أيديولوجيا، كل هذه الحروب التي تتجدد يوما بعد آخر؟ هل كان سيتفشى هذا القدر من القبح والعشوائية في كثير من السلوكيات والمظهر العام سواء للإنسان أو للمكان؟
وفي هذا المقام علينا أن نتساءل لو أن المجتمعات العربية حاضنة جيدة للفنون والأدب، وأن هذه الثقافة لا تقتصر على النخب وفئة قليلة من المتلقين المهتمين بها ، هل كنا سنجد استشراء للأفكار الأصولية المتشددة والرجعية بين الطوائف المختلفة ؟ هل لو أن للفنون والفكر والحريات تواجد حقيقي في ثقافة القاعدة العريضة من الشعوب، هل كنا سنشاهد كل هذا القدر من الدموية والعنف ورفض الآخر المختلف أيديولوجيا؟ هل كان سيتفشى هذا القدر من القبح والعشوائية في كثير من السلوكيات والمظهر العام سواء للإنسان أو للمكان؟
كما أن هناك معوقات ينبغي أن نعترف بها ونتصدى لها بالمواجهة الدؤوبة، وتحول دون شيوع الفن وانتشاره، وبقاؤه نخبويا محدودا لفئة من المثقفين والمتلقين، معوقات خارجية، ومعوقات تخص الفنون وسياقاتها، وطقسها الاحتفائي. الخارجية تتمثل في الأمية، التضييق على الحريات، أوضاع اقتصادية متردية تُحتكر فيها الثروات في يد فئة قليلة، وتنسحق الاكثرية في طاحونة العوز وسد الحاجات الضرورية، موروث ثقافي اجتماعي يستهين بالفنون ولا يجد فيها فائدة سوى أنها ترف وخروج عن المألوف ومن ثم يناهضونها. أما المعوقات التي تخص الفنون ومبدعيها قد تتمثل في التعالي الذي يبديه بعض المبدعين على هموم الجماهير العريضة، وانغماس بعضهم في عوالم التجريب وتطرفهم فيه فيضيّعون الاشتباك مع الواقع كما يفقدون الصلة التي هي الحلقة الأهم بين مُنتج الفن ومتلقيه.
هل نحن مجتمع حديث العهد بالنهايات المحتملة في كل وقت؟ أليس الموت هو هذا الكائن الظل الذي يلتصق بنا على نحو مستمر في منطقتنا في هذا الشرق الأوسط المنكوب بتراثه الديني والسياسي، فنحن والموت لصيقان بلا هجر.
دعونا إذن منذ البداية نفرق بين موتين، موت قدري مثل ما نعيشه في فترتنا المعاصرة، المبتلية بالأوبئة، وأيضا ما يحدث خارج إرادة البشر وتصرفهم من مستجدات الظواهر الطبيعية، أو موت آخر قائم دائما، ومحتمل في كل وقت في منطقتنا، هذا الذي يقضي على البشر نتيجة التعصب لأيديولوجيات معينة سواء هي دينية، أو سياسية في إهاب ديني.
في فيلم "كتلة أكاذيب" إنتاج 2008 ، المقتبس عن رواية بنفس الاسم لــ(ديفيد إجناتيوس) بطولة (راسل كرو)، و(ليناردو دي كابريو)، و(مارك سترونج)، و(جولشفتي فرحاني) لاحظت أن النهايات والموت في دول الشرق الأوسط تبدو طبيعية وموجودة بسهولة دائما، كأنك تصحو من نومك وتغتسل وتشرب فنجان قهوتك كل يوم.
أراد المخرج أن يبدو الموت في مجتمعاتنا في مشاهد الفيلم وأحداثه مجانيا وكأنه شيء عادي، يحدث دون أن يتوقف عنده أحد، تحول لحدث يتم أو يخطط له بدم بارد، تصنعه وتقرره وأحدهم يساعد ابنه في مذاكرة دروسه، أو أثناء الحضور معه في تدريباته الرياضية، موتنا لا يعني شيئا لدى المتحكمين بالأمور من استخبارات أو جماعات أصولية تكفيرية، نحن أفراد وجماعات بلا قيمة، مجرد أعداد من الكائنات، لا أحد يتوقف أمام إنسانيتهم وقيمة حيواتهم ووجودهم، كما لا يقتصر هذا فقط على رجل المخابرات الأمريكي الذي لا يتعاطف مع بعض قضايانا أو موروثنا الثقافي، بل الجميع سواسية، سواء كان رجال المخابرات الأمريكية أو العربية الأردنية، أو زعماء وأمراء التيارات الدينية، فالجميع يتابع مشاهد الانفجارات والقتل في تغطيات نشرات الأخبار على شاشات التليفزيون وهم يتناولون طعامهم، أو يتسامرون مع عوائلهم، دون أن يهتز لهم طرف بالرغم من أنهم صانعو هذه الأحداث أو طرف مؤثر فيها. موتنا منذ زمن بعيد مجانيٌ، سواء لدينا أو لدي القوى من حولنا.
يدور الفيلم حول (روجر) مدير عمليات المخابرات الأمريكية في الشرق الأوسط ، الرجل الذي يطارد أحد الرجال الذين يقودون جماعة إسلامية تقوم بسلسلة انفجارات وعمليات انتحارية في أوروبا، وبالرغم من أن الحوار الدائر في هذا الفيلم مختلف نسبياً عن الأفلام الأمريكية التي تتناول ظاهرة الإرهاب والتطرف في المنطقة العربية، إلا أنه يظل غير مستوعب للنسق الثقافي العربي على نحو جيد.
يشير الحوار بين (روجر) ورئيسه (هوفمان) إلى فشل سياسة العنف والتعذيب مع المتعصبين والإرهابيين، حيث لا تستولد إلا عنفا أكبر مضادا، واتساع إراقة الدماء، كما تخلّف ثأرا بين الأنظمة بعضها وبعض، وبين الدول، وأجهزة المخابرات، وبين كل هذه الكيانات والتيارات الدينية المختلفة الأيديولوجيات. شيطنة تطال الجميع في تلك المنطقة المتوترة دائما.
يجسد الفيلم أيضا كيف يمكن أن تخلّق أجهزة المخابرات وتصنع عمليات إرهابية لتوقع بجماعات متطرفة أو أشخاص محددين، فالحرب على الإرهاب ملأى بالأكاذيب، فلقد قام العميل (روجر) باختلاق شبكة إرهابية وهمية ليستطيع الإيقاع بشبكة أخرى حقيقية وأميرها على أرض الواقع، وكيف يمكن أن يقع الضحايا في تلك العمليات ممن لا ذنب لهم من المدنيين أو غير الضالعين في الأمر برمته.
في هذه الأوساط التي لا أمان فيها لأي طرف من الأطراف، يحضر الموت بثقله ومظاهره الوحشية، حيث يكذب الجميع، ويتصور امتلاكه للحقيقة، يبحث كل فرد فقط عن مجده الشخصي، تحكّمه في المهام وتسييرها منفردا، والترقي في المناصب حتى لو على حساب أرواح الأبرياء، في هذا المناخ المضطرب، مناخ الموت، والنهايات المحتملة كل آن يصاب الإنسان بالقنوط، ويفتقد الثقة في كل شيء من حوله، ولذا يختار (روجر) أن ينجو بنفسه بعد شعوره بالذنب، ربما شجعه إعجابه بشخصية امرأة مغايرة تماما عن ثقافته وجنسيته، ممرضة تعيش في الأردن من أصول إيرانية، فيرتبط بها عاطفيا.
كأن الفيلم يعيد تقييم دور وكالات الاستخبارات في منطقتنا، وكيف أن تلك الممارسات غير الإنسانية دفعت (فيريس روجر) للانسحاب، كنوع من الاحتجاج على جدوى النتائج، وتضارب المصالح، والوسائل غير الشريفة، بالرغم من أنهم انقذوا حياته في اللحظة الأخيرة.
يقول هوفمان لروجر: "لا أحد يحب الشرق الأوسط، ولا الحياة في تلك المنطقة" أثناء تعجبه من اختياره البقاء في المنطقة، ويرى هوفمان أن الجميع في تلك المنطقة إرهابيين ويحلل شخوص المنضمين لتلك الجماعات فيقول:" إنهم لا يروننا، فنحن مستقبلٌ غير مرئي بالنسبة إليهم، ناس تعيش في الماضي، ترفض التحديث، ولا تستخدم التكنولوجيا، من الصعوبة التكهن أو مراقبة ما يأتون به من أفعال"، لذا يبدو موتنا أو نهايتنا في المشاهد حدثا عاديا، رخيصا لديهم ولدينا، وحاضرا كظل لصيق.
علينا في منطقتنا تلك أن نستحضر رسم (هانس هوفمان) للنهاية، كأن الموت فارسٌ مغوارٌ، أشبه بالشبح الذي يمتطي رهوانا يحوّم مسرعا في حومات دائرية أشبه بحلقة السباق، على نحو يوحي لنا بأنها حومات الفارس المنتصر، ولذلك فإن الشبح يحوم شاهرا سيفه الذي يبدو أشبه بأداة حصد الرؤوس لدى المحاربين القدماء وهي سلاح أبيض معقوف يحصد الرؤوس بالجملة مثلما تحصد المنجلة حشائش الأرض.
ماهي سمات الفن عندما نكون على حواف الموت أو النهايات؟
لحظة الموت أو انتظاره مواجهة حقيقية مع الحياة، وتعرية لكل ادعاءاتها، استخفاف بالأقنعة كافة التي تحلو للمجتمعات المستلبة أن تتقنع بها، ولذا قد ينزعها الفن ساخرا بمرارة في بعض خطاباته ونصوصه، فهي انتفاضة عنيفة للقيم تخلصها الفنون والفلسفات من الشوائب التي تحجب الحقائق كثيرا، حيث تجعلنا نعيد النظر في معتقداتنا، لحظة كشف وتعرية تشمل الإنسان وحياته وعواطفه وأفكاره ومفهومه عن الحياة ذاتها. فالفن إدراك جمالي للواقع، وموازاة رمزية للحياة، مما يجعله شاهدا عليه ومقاوما لأشكال الطغيان فيه، سواء طغيان المتجبرين، أو طغيان الأفكار الموروثة الراسخة التي أكسبوها مسحات القداسة، فصارت تتحكم في العقول وحصرتها في الاتباع فقط.
بعض التوجهات الفنية عند شعورهم باقتراب النهاية يجسدون حالة من النكوص والارتداد عن دور الفنون المتجاوز، والمتمرد المتسائل، فنلحظ عودة البعض إلى اليقينيات المريحة سابقة التجهيز، هؤلاء الذين بدأوا الحياة ثائرين يتساءلون، فإذا بلحظات النهايات أو الخوف منها تجعلهم يتحولون إلى محافظين، فينزعوا أردية التمرد خوفا من قادم يجهلونه، رعبا من نهاية يقف على حافتها الثعبان الأقرع، وفي منتصفها الصراط، ونهايتها الجحيم، فتنضح خطاباتهم الفنية ونصوصهم بالخطابية والمباشرة، بالوعظ والتهديد، لنظل في نفس الدوائر التي حتما ستفضي إلى الفناء.



د. أماني فؤاد / مصر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى