عبدالله البقالي - غرباء غفساي -2- البتول

البتول

عرفت بهذا الإسم، و النسوة كن يضفن ألفا إلى اللام لتصبح" الباتولا" و أحيانا يستبدلن اللام بالنون " البثون" و مهما يكن فعننونة نص باسمها قد يجده البعض فعلا غير منصف، ما دامت البتول حسب اعتبارات البعض مجرد طيف يحوم حول نجم" احريرو". إذ انه هو من امتلك القدرة علىتحريك الوقائع على مسرح الأحداث الظاهرة و الخفية في حياة هذه الأسرة. و هي لم تمثل أكثر من ذلك الطائر الليلي الذي يأتي متأخرا كي يختصر حركية الحياة في شدوه و تغريده.مكسرا بذلك سطوة الليالي الساكنة.
لكن بالرغم من ذلك فهي تستحق عنوانا عريضا. و زوجها نفسه لو استشير في الامر لاختار من غير تردد أن يكون مجرد علامة من علامات الترقيم، ليجعلها النص كله.
" احريرو" هو " لحمدي" آخر. لم يمزق ستار الدهشة ليطل وجهه من بين شراشفه في أول ظهور له. بل قدم نفسه وفق الحال ابذي دأبت عليه حياته. وجه بملامح مسالمة حد الخنوع. و لا يبدو عليه أنه خاض يوما عراكا مع أحد، أو انخرط في نزال او نزاع. وهو ما يفسر ما يفيد أنه لم يملك شيئا. و لقمة العيش هي التي قادته إلى حيث ظهر. لكن يبدو ان هذا لم يعتبره ضعفا أو عجزا. حكايته مع البتول زوجته تختصر فلسفته في الحياة، و تفصح عن موع معدنه المسالم المحب للحياة بلا حدود. فلا مرة - بالرغم من الظروف القاسية- رفع صوته في وجهها. و لا قطب حاجبيه وهو ينظر إليها معبرا عن انزعاج او غضب. بل آنه في كل مرة توجه إليها مخاطبا، كان في وضع من يتفقد أغلى نفائسه لتفهم ألا احد بعدها يستحق حرصه. و ذاك كان يغنيها عن كل شئ. و لهذا لم تنظر إليه أبدا على اساس ما يملكه و ما يستطيع ان يقدمه لها. و لن تكن تحتاج الى جهد لكي ترى عبر عينيه ما خصه بها من مساحات حب لا متناهي موثقة باسمها. و ذاك كان عزاؤها عن كل ضيق حاصرها.
نهارا كان يسرح في العالم الخارجي ملتقطا ما يكفيهما كي يظلا أحياء. و هي كانت تستجيب للدعوات التي توجه اليها من قبل سبدات القرية لمساعدتهن. و البعض منهن كن يفتعلن ذلك من أجل الاستمتاع بأحاديثها و ما بدا لهن بدائية كن يتفكهن بها، خصوصا حين يستدرجنها للحديث عن حياتها الخاصة و قصة حبها المثيرة. وهو ما كان يثير دهشتهن و هن يلمسن الفارق و ما يفتقدن اليه كي تصبح الحياة ممتعة.
في المساء كان يلتقيان في مسكنهما المطون من غرفة واحدة، شأن الطلاب الذين يفدون من الضواحي من اجل متابعة الدراسة. و بعد ان يتناولا عشاءهما، يعمد الى مزماره( القصبة) و تخرج هي دفها و يرسمان مسلكا اخر يخترق جوف الليل....


عبدالله البقالي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى