د. عادل الاسطة - هل تأثر غسان كنفاني بمحمود درويش؟

وأنا أقرأ رواية أسعد الأسعد " بطعم الجمر " التفت إلى دال الوطن فيها ، وهو دال حضر في أشعار ابراهيم طوقان ( ت ١٩٤١ ) ، ما دفعني في العام ١٩٩٤ إلى كتابة بحث عنه .
شاع الدال مع رواية كنفاني " عائد إلى حيفا " (١٩٦٩) وتكرر ، بعد ذلك ، في روايات فلسطينية . صار سؤال سعيد . س لزوجته صفية " ما هو الوطن ؟ " وما تلاه من تعريفات ، يتكرر حتى طغى على الاستعمالات السابقة للدال ، علما بأن كنفاني قد يكون استخدمه متأثرا بما قرأ ، وهذا ما دفعني إلى كتابة مقالة عنوانها " هل تأثر غسان كنفاني باميل حبيبي ؟ " أتيت على الدال في رواية كنفاني وفي قصة إميل " بوابة مندلباوم " التي كتبها في ستينيات ق ٢٠ .
أعادتني قراءة " بطعم الجمر " إلى الفكرة نفسها وهي فكرة التأثر والتأثير ، ولكن هذه المرة بين كنفاني ودرويش ، فأثرت السؤال الذي لقي استغرابا من قراء عديدين عقبوا مندهشين مستغربين ذاهبين إلى أن العكس هو ما قد يكون - أي أن درويش تأثر بكنفاني ؛ فالأصغر يتأثر بالأكبر .
وأنا أفكر في الأمر وأرد على وجهات النظر وجب أن أعود إلى أشعار الشاعر المبكرة التي نشرها في ستينيات ق ٢٠ قبل صدور رواية غسان .
ولكن ما لا ينبغي أن يغيب عن الأذهان هو علاقة الدال بالفكر الذي يكتب الكاتب من وحيه ، فلا أظن أن هذا الدال يبرز في كتابات الاسلاميين والفلسطينيين القوميين ، فالأولون يرون في فلسطين وقفا إسلاميا والقوميون يرون فيها أرضا عربية وعند استخدام الأخيرين دال الوطن فإنهم يستخدمونه قاصدين الوطن العربي كله " وطني حبيبي الوطن الأكبر " .
وكان كنفاني حتى ١٩٦٧ يميل إلى القوميين ، فلم يكتب مثلا عن يهود فلسطينيين ، وإنما كتب عن يهود عرب ، والكتابة عن يهود فلسطينيين شاعت في سبعينيات القرن العشرين مع نمو الوعي الوطني الفلسطيني . ويختلف الوطنيون ، ومنهم الشيوعيون الفلسطينيون ، عن الجهتين السابقتين ، وكان حبيبي ودرويش ينتميان إلى الحزب الشيوعي ويريان في فلسطين وطنا لهما بالدرجة الأولى ، ومعروف موقف الشيوعيين منذ ١٩٤٧ من الأنظمة العربية والتيارات الإسلامية .
ولكي لا أقع في إشكالات يجب أن أذكر أن ابراهيم طوقان لم يكن شيوعيا ، ولكنه استخدم دال الوطن ، فهذا الدال لا يقتصر استخدامه على الشيوعيين وحسب ، فقد يستخدمه المثقفون والمتعلمون الذين ليس لهم انتماء محدد .
ولأنني لا أريد أن استطرد وأتوسع في الكتابة التزم بالسؤال :
- هل تأثر كنفاني بدرويش ؟
وكيف يمكن أن يكون تأثر به والأول ناثر والثاني شاعر والأول أكبر من الثاني وهو ممن أسهموا في التعريف به ؟
في العام ١٩٦٦ ألف كنفاني كتابه " أدب المقاومة في فلسطين " وبعد عامين أصدر كتابه " الأدب الفلسطيني المقاوم " وفيهما درس أشعار محمود درويش الذي أكثر من التغني بالوطن . إن تكرار درويش هذا الدال يلفت النظر حقا .
في العام ١٩٦٩ كتب كنفاني " عائد إلى حيفا " وفيها تكرر الدال ، إذ أتى سعيد . س على تعريفه ، مثله مثل حبيبي في قصته ، ومثل مدلوله في أشعار درويش . هنا نثير السؤال الآتي :
- هل التفت كنفاني في أعماله المبكرة الأولى التي أصدرها قبل كتابيه المذكورين ، وقبل قراءة أدب المقاومة ، هل التفت إلى دال الوطن وتعريفه ؟
والإجابة تتطلب إعادة قراءة قصص غسان وروايتيه " رجال في الشمس " و " ما تبقى لكم " ، وفيما أذكر فإن أحدا من الدارسين لم يتوقف أمام تعريف الوطن في كتابات غسان السابقة ل " عائد إلى حيفا " .
شاكر النابلسي في كتابه " مجنون التراب " ( ١٩٨٧ ) التفت إلى بوابات محمود درويش الشعرية ومنها بوابة الوطن ، وذهب إلى ما يلي :
" ويلاحظ القاريء أن درويشا قبل ١٩٦٧ لم يذكر كلمة الوطن مباشرة ، وبشكل سافر ، فهل لهزيمة ١٩٦٧ أثر في ذلك ؟"
ولكن بالعودة إلى " أوراق الزيتون " (١٩٦٤)
وإلى " عاشق من فلسطين " ( ١٩٦٦ ) نجد أن النابلسي لم يكن دقيقا ، فقد تكرر هذا الدال في الديوانين وتكرر أكثر في " آخر الليل "( ١٩٦٨ ) ، وقد أحصى د.حسين حمزة في كتابه " معجم الموتيفات المركزية في شعر محمود درويش " ( حيفا ٢٠١٢ ) موتيف " الوطن في تسع صفحات ( ٥٣٨ إلى ٥٤٦ ) وأورد الأسطر الشعرية التي ورد فيها . وهنا نعود إلى السؤال :
- هل تأثر غسان بمحمود في الكتابة عن دال الوطن ؟
إن كان ما نقرؤه يترك ، بوعي أو دون وعي ، أثره فينا ويتسلل إلى كتاباتنا فأغلب الظن أن أشعار محمود درويش تركت أثرها في نصوص كنفاني الإبداعية ، وإن في هذا الجانب على الأقل .
الكتابة تطول والمساحة محدودة .
نابلس
الأول من آذار ٢٠٢١ .
١ آذار ٢٠٢١

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى