د. عادل الأسطة - شيراز عناب و«الرحيل إلى كوكب اسجارديا»

الرحيل إلى كوكب اسجارديا هو عنوان رواية شيراز عناب للفتيان 2017، وهي الرواية الأولى لها بعد مجموعتها القصصية "أريد حذاء يتكلم".
شيراز هي من مدينة نابلس وتقيم منذ ثلاثين عاماً في أبو ظبي. وظاهرة الكاتبات النابلسيات بعد الشاعرة فدوى طوقان وباسمة حلاوة الكاتبة القصصية والروائية سحر خليفة تبدو لافتة، فهناك غير كاتبة روائية أصدرت في العقدين الأخيرين الرواية والقصة القصيرة. ثمة عدد لا بأس به من الكاتبات لم تعرفه المدينة في العقود الأخيرة من القرن العشرين.
في روايتها تكتب شيراز عن الأرض التي تضيق بسكانها، فتطلب منهم الرحيل إلى كواكب أخرى. وضيق الأرض بسكانها يعود إلى ما ألم بهؤلاء من تبدلات وتغيرات تبدو نحو الأسوأ. انهارت القيم والعادات والتقاليد وتمرد الأبناء على العائلة وأخذوا ينحرفون، وساد الظلم والاستغلال وكثرت الحروب والكوارث.
ضيق الأرض بسكانها في الرواية يذكر بقصيدة محمود درويش "تضيق بنا الأرض" التي كتبها بعد خروج المقاومة من بيروت في العام 1982 ونشرها في مجموعته "ورد أقل" 1985، ويختلف منطلق محمود درويش في أنه يكتب عن الواقع الفلسطيني حيث أجبر الفلسطينيون على الرحيل.
يخصص الشاعر وينطلق من منطلق الواقع الفلسطيني وهذا ما لا تفعله شيراز التي تبتعد عن الواقع الفلسطيني وتكتب من منطلق عام لا خصوصية فيه، فالأرض في روايتها تضيق بسكانها، وهي في قصيدة درويش تضيق بالشعب الفلسطيني.
وأول ما يطالع المرء في الرواية من خلال الحوار بين بطلتها زينب وأمها هو الحديث عن أصل الإنسان، وهو حديث يذكر قارئ الأدب بالروائي التشيكي فرانز كافكا وروايته "التحول/ المسخ" مع اختلاف طبعاً، ففي رواية كافكا يتحول غريغوري إلى حشرة بخلاف رواية عناب حيث يكون أصل الإنسان حشرة تحولت إلى إنسان. وثمة أيضاً اختلاف في المنطلق.
تتكئ الكاتبة في فكرة التحول على نظرية داروين في النشوء والارتقاء. إن منطلقها في الأساس يتكئ على مقولات ونظريات علمية، وليس الأمر كذلك لدى كافكا. وحسب التفسير الاجتماعي الماركسي لأعمال كافكا فإن تحول الإنسان إلى حشرة - تحديداً غريغوري بطل الرواية - سببه هو اغتراب الإنسان في المجتمع الرأسمالي، حيث يعامل بمقدار ما يقدمه. كلما أعطى احترم وحين يفقد القدرة على العطاء يقل احترام الآخرين وتقديرهم له.
زينب فتاة تعيش مع أمها وأبيها وهي شغوفة بمتابعة العلوم وغالباً ما تتحاور مع أمها في هذا الجانب وتحضر الأم في الرواية حضوراً لافتاً بخلاف حضور الأب الذي يذكر ذكراً عابراً، ويبدو من خلال أسطر قليلة رجلاً متسلطاً يأمر وينهى ويمارس ذكوريته.
لا تبدو العلاقة بين البنت وأمها علاقة إيجابية في المطلق فقد تتخللها خصومات ولكنها سرعان ما تزول ليعود الانسجام بينهما.
والرواية التي تتكئ على خلفية العلاقة بين البنت وأمها يغلب عليها الخوض في العلوم والأفلاك حتى أن الرواية لتقترب في هذا من قصص الخيال العلمي وتحفل بكم كبير من المعلومات العلمية التي يخيل إلي أن المؤلفة التي قرأت هذه المعلومات ترغب في إيصالها إلى الفتيان وتثقيفهم في هذا الجانب.
انطلاقاً مما سبق، لا يتحدد المكان في الرواية وليس ثمة ما يشير إلى أن زينب وأمها فلسطينيتان، والإتيان على الاحتلال مثلاً جاء عابراً جداً، بل إنه لم يشر إلى احتلال إسرائيلي وكل ما ذكر هو انفجار ومظاهرات يمكن أن تحدث في أي مكان.
والطريف أن الرواية التي تبدأ بداية سوداوية وتستمر سوداوية حتى الصفحات الأخيرة تنتهي نهاية تبعث على التفاؤل، فزينب تطلب من أمها أن تنسيا ما تشهده الأرض وأن تمارسا الغناء والرقص ورفض الرحيل إلى كوكب آخر، فمن أدرانا إذا ما رحلنا من الأرض إلى كوكب آخر هرباً من الحروب، من أدرانا أننا سنعيش في الكوكب الجديد بلا حروب ولا استغلال "سنهرب من حروب إلى حروب. لا جدوى. لا جدوى" وعليه تقرر زينب أن ترقص وتغني وأن تبني مدنها داخل روحها وتصمم على ألا تترك الآخرين أن يسلبوها الحق في الحياة التي تشتهيها "فلقد وجدنا على هذه الأرض لنعيش كل حالاتها" وتنتهي الرواية نهاية سعيدة بالأسطر الآتية:
"ولاحت منها نظرة إلى السماء، إلى النجوم، إلى الكواكب، فقد خيل لها أنها تحتفل معها وترقص فتراءى لها القمر بوجهه المضيء، كأنه يغمز لها. فابتسمت له في خجل وأقفلت الشباك".
هكذا تنتهي الرواية، وهكذا تسعد زينب الفتاة المتمردة التي لا تروق لها الحياة العادية التي تحياها أمها وجيل أمها.
وما يلاحظ على الرواية وبطلتها زينب، التي قد تعبر بشكل أو بآخر عن المؤلفة نفسها، هو التركيز على الاختلاف والتميز والانحياز إلى الأنثى بشكل عام، فحتى الوزير حين تختلط الأمور عليه ويحتار يلجأ إلى سكرتيرته سناء يطلب رأيها ويأخذ به فقد نجحت في إيجاد حل من حيث عجز هو.
الرواية هي الأولى للمؤلفة، ولكون الرواية هي الأولى فهي لا تتسم ببناء سردي محكم.
تسرد الرواية بضميرين: الأنا والهو، وتنسى الكاتبة نفسها وهي تكتب فتارة تقص الساردة عن زينب وطوراً تتركها تقص. وفي منتصف الرواية تقريباً تترك الروائية القص لحبيب زينب الذي غادر بلاده إلى بلاد بعيدة وعاد بعد تسع سنوات ليقيم في وطنه ولكنه سرعان ما يمرض ويموت مخلفاً أثراً سلبياً على نفسية زينب.
وأما من حيث اللغة، فلا يجد القارئ تعدداً في المستوى اللغوي والرواية كتبت بلغة عربية خلت من أي لهجة محلية أو نابلسية كان يمكن أن تمنح الرواية خصوصية ولو من هذا الجانب. هنا مثلاً يتذكر المرء رواية سحر خليفة "عباد الشمس" التي حفلت بأجواء نابلسية خالصة لا يجد المرء شبيهاً لها إلا في قسم من رواية جمال أبو غيداء "خابية الحنين" 2017 وفيها يقرأ المرء عن نابلس وعاداتها وتقاليدها ولهجتها وأمثالها أشياء طريفة تبعث على الابتسامة وتفجر الضحك.
وتبقى "الرحيل إلى كوكب اسجارديا" عملاً روائياً أولاً لكاتبة هاوية لا كاتبة محترفة.



د. عادل الأسطة
2018-01-28

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى