د. عادل الأسطة - إكليل من شوك

"إكليل من شوك" عنوان المجموعة القصصية الاولى للاقتصادي د. محمد اشتية، فلا أعرف ان له مجموعة سابقة، وان كنت قرأت له في ثمانينيات (ق20) مقالات كان ينشرها في جريدة "الشعب" المقدسية، حيث تعرفت اليه يوم كان مدرساً في جامعة بير زيت، هو الذي علم انني سأسافر للدراسة في ألمانيا، فنصحني ان أزور مدينة (هايدلبرغ) لانها المدينة الأجمل.
وفي "الشعب" تحدث عن بعض عاداتنا وتقاليدنا ومجاملاتنا، واستمعت منه الى ما يفضله، حين زيارة المرضى والاصدقاء، من هدايا، وان لم تخني الذاكرة، فقد أتى على مديح الورد، وسيكون لهذا حضور في قصصه، فقد لاحظت وأنا أقرأها ان هناك قصة عنوانها "الورد الأحمر" كلها تركز على الورد، ولاحظت ان بطل قصة أخرى هي "الممكن واللاممكن"، وهو مفاوض فلسطيني يشارك في عملية السلام، يحضر لخطيبته الورد من (فرانكفورت)، ولكنه يذبل بسبب طول المكوث على الحواجز الاسرائيلية، فالمدة الزمنية من (فرانكفورت) الى مطار اللد لا تزيد على الاربع ساعات، لكن الانتظار على الحواجز يطول ويطول، ويفوق المدة التي استغرقتها رحلة الطائرة من المانيا الى تل ابيب.
هل يستطيع قارئ قصص محمد اشتية ان يقول ما قاله توفيق صايغ في المقدمة التي كتبها لمجموعة جبرا ابراهيم جبرا عن موقف ابطالها من المدنية: "وكشخص البطل الذي أبداً هو وان سمي اسماء مختلفة وتبدلت الادوار التي اعطيها قيمة بين قصة وأخرى، وكالريزمية الواحدة وان اختلفت فيها الظلال"؟
هل يستطيع قارئ قصص محمد اشتية ان يقول ان محمد اشتية حاضر في قصصه كلها، وان اختلفت اسماء شخوص قصصه؟
لعل من يعرف شيئاً عن الرجل/ الكاتب لا يجافي الصواب حين يزعم انه - أي الكاتب- حاضر في قصصه كلها، ان لم يكن شخصاً، فروحاً وتجربة، فالقصص تعبر عن تجارب وأماكن عديدة متنوعة لم يمر بها الا قلة قليلة، والقصص تأتي مع اسماء ممثلين وأدباء وفنانين لا يعرفهم ايضاً الا القليلون. هل يمكن ان يكون بطل "الممكن واللاممكن" وبطل "مصارعو السومو" سوى محمد اشتية الذي شارك في المفاوضات، وزار اليابان بحكم موقعه ووظيفته هو رجل الاقتصاد المعروف؟
هل يفاجأ قارئ "إكليل من شوك" حين يعلم ان كاتبها رجل اقتصاد؟ في قصته "الدكتور يعقوب" تكمن الاجابة، الشخص الأساس فيها يقرأ الأدب ويتابعه ويرغب في دراسة الآداب او الزراعة، ولكن أمه تصر على ان ينفذ وصية أبيه ويدرس الطب، حتى يصبح دكتوراً، ما يعني ان هناك ميولاً أدبية دفينة لدى الكاتب، تبرز ايضاً لدى بطل قصة "دبليو دبليو دبليو دوت كوم"، حيث تعداد اسماء روايات مشهورة يبدو انها ذات تأثير في محمد اشتية، والا لما كانت قصصه رشيقة ذات لغة ممتعة. وأظن ان أكثر قصصه لغة واسلوباً خرجت من معطفها، من قارئ قرأها.
في أدبنا تحول سياسيون الى أدباء، مثل إميل حبيبي الذي طلق في النهاية السياسة وانحاز للآداب. وفي أدبنا تحول أدباء الى سياسيين، فخسرناهم أدباء، مثل ماجد ابو شرار. قبل إميل حبيبي فعل الشيء نفسه نجاتي صدقي، وبعد ماجد ابو شرار فعل مثله حسن ابو لبدة، لا أدري ان كان قراؤنا يتذكرون انه اصدر مجموعة قصصية، وانه بدأ الكتابة وهو مدرس في جامعة بيرزيت. ومحمد اشتية يفاجئنا باصدار مجموعة قصصية، بعد ان عرفه الكثيرون مفاوضاً سياسياً ورجل اقتصاد.
ليست سعة اطلاع الشخوص واللغة البسطية المكثفة وكتابة القصة القصيرة جداً الى حد ما، ما لفت نظري في المجموعة وحسب. ما لفت نظري يكمن في قصة "الممكن واللاممكن" وهي أطول قصص المجموعة، اذ تبلغ 15 صفحة، كنت في العام 1997 نشرت في "الأيام" و"البلاد" مقالات طويلة عن مرحلة السلام، جمعتها في كتاب صدرت طبعته الاولى عن وزارة الثقافة في غزة ورام الله، عنوانه "أدباء المقاومة.. من تفاؤل البدايات الى خيبة النهايات"، وصدرت طبعته الثانية في الشام )2008( عن مؤسسة فلسطين للثقافة. ولاحظت وانا ادرس حبيبي ويخلف وخليفة ودرويش ودحبور والقاسم والبرغوثي والخليلي ان نصوصهم تعبر عن خيبة مما أنجر. كان الحلم كبيراً والانجاز قليلاً. ولم يكن أي من هؤلاء شارك في مفاوضات السلام، مثل أكرم هنية ومحمد اشتية، هل كان هذان متفائلين؟ ربما، ولكن نصوصهما الأدبية التي أنجرت بعد العام 2000 عبرت عن خيبتهما. قصة "الممكن واللاممكن" مثال جيد على هذا، يقول احد شخوصها: "كلما اقتربنا من السلام خطوة تعقدت الاوضاع الأمنية فنرجع خطوتين" ويجيبه صديقه: "ممكن تصير هدنة مؤقتة طويلة، ولكن مش ممكن يكون فيه سلام".

هامش: مثلنا ويختلفون عنا
في قصته "مصارعو السومو" يكتب محمد اشتية عن زيارة قام بها بطل قصته - ولا دليل على ان بطل القصة غير مؤلفها، ما يجعلنا نوحد بينهما، بخاصة اننا نعرف الكاتب ورحلاته الى دول العالم بحكم عمله - الى اليابان. ويقص علينا مشاهداته وملاحظاته وما استمع اليه؟ هل يختلف اليابانيون عنا، نحن العرب؟
في المؤتمرات والندوات التي اشارك فيها، وتكون فيها ورقة عن اليابان، غالباً ما يلقيها اللبناني د. مسعود ظاهر -ان لم تخني الذاكرة- وهو متخصص في الشؤون اليابانية، وقد التقيت به في غير مؤتمر، في الجامعة الاردنية في العام 2001، وفي جامعة فيلادلفيا في العام 2005، في المؤتمرات والندوات يثار السؤال التالي: لماذا تقدمت اليابان ولم يتقدم العرب؟ بخاصة ان اليابان كانت في ق 19 متخلفة، حين بدأ محمد علي في مصر مشروعه النهضوي والتحديثي، وانها تعرضت لهزيمة في الحرب العالمية الثانية؟
سيلحظ قارئ قصة "مصارعو السومو" ان هناك عادات اجتماعية وإرثاً ثقافياً لدى اليابانيين، يتشابه مع عاداتنا وتقاليدنا، وان كان هناك بعض اختلاف. اليابانيون يحبون انجاب الذكور، والذكر هو الذي يرث أباه الامبراطور، أما ان كان المولود أنثى فلا يرثه "لا ترث الابنة الامبراطور، الذكر فقط يرثه، تقليد ياباني". هل تراهن؟، وسيعجب السارد في القصة من شعب تقدم تكنولوجيا لكنه يفضل الولد على البنت.
وسيتذكر قارئ القصة القصيرة التي درسها لأحمد شوقي وورد فيها عن حب اليابانيين وطنهم البيت الشهير:
هكذا المياكدو قد علمنا ان نرى الأوطان أُما وأبا
فاليابانيون في القصة لديهم حس عال بالمسؤولية، فمصابو الزكام يضعون الكمامات بسبب العطاس، للحد من انتقال العدوى، وهذا عرف غير مكتوب، وكما يرد على لسان الياباني: "كلنا وضعنا انفسنا خدمة للوطن". هل نفعل نحن الشيء نفسه؟
ينهي بطل القصة قصته عن طوكيو بالعبارة التالية: "وداعاً أيتها المدينة التي لا تتصدى الا لمن وضع نفسه في خدمتها؟" فاليابانيون ازدهروا بفضل تقليدهم للغرب في الصناعة، ولم يقلدوا حياة الغربيين، لان على الياباني ان يبقى يابانياً. هل نحن مثلهم؟


د. عادل الأسطة
2008-09-14




1617180804216.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى