حيدر غراس - صاحب ﷲ

العطر العابق بياخة القميص،
كفيل أن يوقظ الصحّو لعشرة رجال عادوا تواً من خمارة تقدم لهم عرقا مغشوشا
طوال الليل.
والأنكى من هذا وذاك أن عطر
ياخة القميص عطر مغشوش كذلك!
مرة قرأت في كتاب( لايفسد العطر إلا عطار فاسد)؛
إذا،
لا علة في العطر
ولا في ياخة القميص..
ولا في العرق المغشوش..
ياترى هل في العطار الفاسد..؟
أعرف عطارا في حينا جدا فاسد،
يبيع الأوهام للنساء.
كلما غمزته "العب فيها ياعم.."
يرمقني بوخز "اسكت يا بارد..! "
يقسم صديقي بكل السماوات
أنه لاينام إلا حافياً
ليؤكد له صديقي الآخر وبالدليل
أنه لايسبح إلا عارياً.
لكن لجارتي في الحي الشعبي
قول آخر ترددهُ على مسامعي كلما لمحتني أقف على ناصية الدرب لتقول:
(الي ماينطيه ربه ياشلع گلبه،)
فأجيبها وأنا اغمز لها عيني:
(من وجدك ماذا فقد) لتشاركنا ضحكتنا البيضاء جارتها الأخرى
وعلى أطراف فمها عبارة:
(اخ يمه منك ماتجور من سوالفك)
بائع الخس يصر طوال اليوم من خلال
السماعة المليئة بصوته الأغبر لتردد؛
(خس أبو الطوبة راسين بألف) فيلكمه أحدهم مازحاً بقول:(تبيع الطوبة)
ليرد عليهِ (طوبة خالتك) ليعيد له الرد
(هي وحدة وماتت بس طوبة خالتك تكفي للعب كل الفرق الأوربية والشرقية) ليغرق الجميع بنوبة ضحك أصفر متناسين اكوام القاذورات التي تطفح بها أزقة الحي وكيف تعبث بها القطط وتناسل الفئران..
(أليّ مضّيع ذهب)
هكذا يردد البقال الذي قبالتي، كل حين
ليرد عليه البقال الآخر(بسوگ الذهب يلگاه)
لكن ل(سعدون جابر) قول آخر وهو يصدح
بلوعة كبره (الي مضيع وطن)..
ولا أدري هل لنا حقاً وطن كي نخشى ضياعهِ او فقدانه..؟
وأظنكم تتفقون معي على ضياع الوطن
منذ بدء خلق الله...!
الطفلة الناحلة جداً والمنزوعة الشعر بفعل حقن كيمياوي السرطان، تدق كازها عنوة في باب دكان بائع الملابس المستخدمة سلفاً وتتوسل أمها أن تشتري لها فستانا أحمر يكبرها كثيراً، لألمح دمعة تترقرق بعين البائع وهو يقدم لها الاثواب تلوا إلا ثوب رفضته اياها، أشرت إليه أن تأخذ الثوب وأنا أخفي وجهي بين كفي، وأهمس بصمتي
رحماك ياالله..
لم أكن بعثياً مخلصاً بدرجة كبيرة رغم مقولتهِ (العراقيون بعثيون وأن لم ينتموا) ولذلك أفشل في كتابة تقارير حزن الليل كي أقدمها لمسؤول الصباح وهو يرتشف آخر حبة بن في كوب من ورق الكارتون الاسمر.
أدرك أن هناك ممن يشترك معي بأن ثمة علاقة وطيدة بين السرد و(الخرط) مع اختلاف المسميات وإلا مايسمى هذا الذي نقرأه في الروايات التي تتسيد المشهد ولئكن منصفاً (الخرط) هذا خير دليل...!
سائق الأجرة الصفراء كان صغيرا جداً يضع تحته أكثر من وسادة ليمسك مقودها،
استغربت أمره وأنا أجلس قربه قائلا_
كيف لك أن تقودها وأنت بهذا العمر،
تبسم واثقاً وهو يحرر قولا:
أبي مات في إحدى الانفجارات وكنا صغارا جداً فأمي كمايقول: جمعت كل مالدينا لتشتري هذه السيارة لنعتاش عليها،
قلت له بدهشة :
وأمك، الا تخشى عليك من الطريق؛
قال_
أمي تقول لي:
لاعليك بأحد قط_ فقط_
(صاحب الله)
.
. حيدر غراس.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى