محمد علاء الدين - القهر والتطرف

الإغتراب يؤدي إلى القهر والقهر يؤدي إلى التطرف والتطرف يؤدي إلى العنصرية والعنصرية تؤدي إلى العنف والعنف يؤدي إلى القهر هي أذن دائرة مفرغة حتى من الهواء لا نستنشق فيها سوى غبار الكراهية المميت والرغبة الدائمة في أن نكون السادة على عبيد من لحم ودم وعقل ونفس وروح عبيد لا يختلفون عنا في شيء سوى في الحلم

القهر :

عندما يصاب الإنسان بالإغتراب الإرادي فأنه لا يؤمن بما يجب أن يكون وبالتبعية تصبح المصلحة هي أديولوجيته التي يؤمن بها ويسعى بكل ما أوتي من قوة إلى جعلها أسلوب حياة من أجل تحقيق كل ماتطمع إليه نفسه بغض النظر عن مشروعية تلك الرغبات بل والوسائل التي يتبعها من أجل الوصول إليها بغض النظر عن حقوق الآخرين وواجباته فالرغبة هي السيد الذي يجب أن يطاع أما الحقوق والواجبات فهي مجرد كلمات جوفاء لا أساس لها من الصحة في تلك الحياة .

المعادلة أذاً لا بد وأن تحتوى على مغترب قهري يُسلب في كل لحظة حقوقه المادية والمعنوية بل وفي بعض الأحيان حقه الأصيل في الحياة إلا أن هذا القهر يتحول إلى قهر بالمعنى الحرفي للكلمة عندما يمتلك القاهر القوة وآليات السيطرة على المقهور هنا يصبح الإضطهاد أسلوب حياة لكي يضمن القاهر تحقيق رغباته التي لا تنتهي وملىء فيه الذي لا يشبع حتى وأن أمتلك الأرض وماعليها .

الجزء الأغرب في المعادلة يكمن في المقهور الزي أن لم يمتلك أيدولوجيا " هوية " سوية لها من القوة والصلابة ما يعينه بل ويوجب عليه مواجهة القهر يتحول إلى حالة الإزعان والرضوخ التام فيما يمكن أن نعتبره نوع من الـ " الإرضاخ الإرادي للذات " بل ويصل في بعض الأحيان إلى حالة متطرفة من التلذذ الماسوشي بالقهر .

هنا يظل النظام – المستعمر أو الديكتاتوري – في مرحلة " ثقافة الصفر " زو القيم الثابتة المطلقة وتظل أسطورتي أنهيار الدولة والمنقز من الإنهيار " الحاكم أو الدولة أو النظام " حية ترزق وبطبيعة الحال لا يتم الدخول في مرحلة الصراع من أجل الحصول على الحرية بثورة حقيقية والتحول إلى ثقافة المالانهاية ذات الطبيعة الديناميكية والتطور الدائم والمستمر مع الحفاظ بالطبع على الأركان الثابتة في الثقافة " الهوية " فالمقهور راضح تماماً لآليات السيطرة – الوهمية – وموقن بقوة القاهر التي لا تقهر .

التطرف :

قد تصل مرحلة القهر والرغبة في السيطرة إلى مرحلة متطرفة أيدولوجياً وبالتبعية على أرض الواقع والأمثلة هنا كثيرة ولا تحتاج إلى عناء البحث في التاريخ لكي تضع يدك على تطرف الحكومات والأنظمة الإستعمارية والديكتاتورية – الراضخة للإستعمار الحديث " اللامباشر " بطبيعة الحال – فهنا يصبح كل شيء مباح من أجل الوصول إلى رغبات لا تنتهي.. الغاية تبرر ألف وسيلة.. ولا معنى لكلمة جوفاء تدعى الأخلاق .

إلا أن هذا التطرف قد يواجه بتطرف مضاد – في حال غياب الهوية السوية أو تشوها وبالتبعية الطبيعة المجتمعية السوية التي توجب النضال بشكل متزن ولا أعني هنا غياب النضال المسلح مع المستعمر ولكن أعني غياب التطرف في النضال – فالشعور بالإغتراب القهري للذات يجعل الغاية تبرر ألف وسيلة أيضاً وبالتبعية لا يصبح السؤال الاهم من أقتل – طفل أو أمرأة أو كهل – أو كيف أقتل بل كيف أصل إلى النصر بأقصر الطرق وأيسرها وأن أستبدل نظام الحكم بنظام لا يقل دموية وإشعاراً للآخرين بالإغتراب القهري للزات .

فالحركات الإسلامية المتطرفة والمسيحية في الغرب وغيرهما ما هما إلا نتاج طبيعي لهوية مشوهة وواقع إجتماعي مشوه أدى بأولائك المغتربين قهرياً إلى السير في زلك الطريق المتطرف من أجل التخلص من القهر هي أزن صورة نضالية مرضية يظن من يسيرون في ركابها أنهم قادرون بها على أن يصبحوا احراراً .

التعصب :

قد يصل التطرف إلى مرحلة أكثر تطوراً وخطورة إلا وهي مرحلة التعصب فالجماعات المتعصبة ترى أنها أعلى وأرقى من الآخرين وأنها مميز عنهم لزا فهي مرحلة إغترابية إرادية تبرر القهر والسيطرة على الآخرين كالحركات الإستعمارية التي أدعت انها تريد أن ترتقي بالشعوب المسعمَرة إلا أنها في حقيقة الأمر تقوم بسلب ونهب وإستعباد تلك الشعوب بكل الوسائل الممكنة .

إلا أن هذه العنصرية لها ردود أفعال مختلفة منها " الإرضاخ القهري للذات " أو العنف المفرط كما ذكرت من قبل ومنها إقصاء الطرف الآخر " العنصري " من الجنس البشري – بالمعنى الحرفي الأيدولوجي للكلمة – ومنها – وهي حالات نادرة – التقمص الذي يتسم بالتشبه بالطرف العنصري – الأقوى – والإنفصال التام عن الهوية بغية التخلص من هذه الصفات الدونية وحالة القهر التي تسير شامخة وكأنها في صيرورة لا تنتهي .

العنف :

في تلك الدائرة المفرغة التي تبدأ بالقهر وتنتهي بالعنف مروراً بالقهر من جديد يكون للعنف الكلمة الأعلى واليد الطولى في المعركة فالعنف المفرط الغير سوي هو هو نتيجة طبيعية للمقاومة الغير سوية في مجتمع يتسم بالإغتراب القهري للذات في بيئة مشوهة أيدولوجياً وبالتبعية هو رد فعل طبيعي للإغتراب الإرادي للذات من قبل الإستعمار – بشكلية المباشر والغير مباشر – والأنظمة الديكتاتورية .

المشكلة أذن لا تكمن في العنف في حد ذاته – وأن كنت أرى أن مواجهة الديكتاتوريات الوطنية يجب أن تكون سلمية منعاً للصراعات الداخلية التي قد توصل إلى حروب أهلية وإنهيار للدولة برمتها كما رأينا في سوريا والعراق فالمقاومة السلمية ستظل أقوى وأكثر تأثيراً قلا أحد يستطيع أن يقف أمام شعب ثائر أما مقاومة المحتل فيجب أن تكون مسلحة بالإضافة إلى أساليب المقاومة المختلفة بالطبع – بل في الدرجات المفرطة منه والتي تتسم بإستخدام أساليب غير سوية – لا أخلاقية بالمرة – فالمعادلة هنا ليس فيها سوى قيمتين " النصر أو الهزيمة " أما تحقيق الغاية – حتى وأن كانت شريفة – لا تُلزم أن تكون الطرق والوسائل الموصلة إليها شريفة أيضاً .

الغريب في الأمر أن هذه الطريقة المفرطة – الغير سوية – في العنف لن توصل إلى بناء مجتمع ثوري ديناميكي متطور بل إلى إستبدال إستبداد بإستبداد آخر في حالة النصر وإلى زيادة القهر في حالة الهزيمة أو أن تؤول النتيجة – وهذا ما يحدث في أغلب الأحيان – إلى إعادة الدورة من جديد والإستمرار في حالة الصراع التي ستؤدي إلى القضاء على الطرفين والبشرية برمتها في نهاية المطاف .

أما الصراع المتسم بالعنف داخل المجتمع الواحد فيؤدي إلى كارثة محققة وذلك لسببين الإنقسام وبالتبعية الإنهيار التام للمجتمع فالمجتمعات المتزنة يجب أن تتسم بالبنائية بحيث يتكون المجتمع من من نسق عام يحوي مجموعة من الأنساق الفرعية التي يؤدي كل منها دوره فيه بإنتظام ودقة وهذا النسق يجب أن يكون ذو هوية ثقافية موحدة – حتى وأن أحتوى على خصوصيات أثنية أو دينية أو سياسية لأنها لا تخرج عن الهوية الثقافية للمجتمع بمعناها العام – فالإختلافات الأثنية والدينية والسياسية عندما تكون في بيئة مشوهة تؤدي إلى الصراع فما بالكم أن كان هذا الصراع مسلحاً .

أما الصراع بين السلطة الديكتاتورية والشعب يجب أن يتسم بحالة من الوحدة – فيما يتعلق بالشعب – في مقابل السلطة فالرغبة في القفز على السلطة أو الإنغماس في الثورة من أجل تحقيق مصالح شخصية لفئة أو طائفة سياسية أو أثنية أو دينية معينة تؤدي إلى كارثة محققة فبعد التخلص من من السلطة ستتصارع تلك الأطراف المختلفة من أجل القفز عليها أو على أقل تقدير الحصول على أكبر قدر من المكاسب فما بالكم أن كان هذا الصراع مسلحاً .

العنف أذن – بهذا المعنى وفي حالة الصراع الداخلي – ما هو إلا شكل من أشكال تحويل المجتمع من مجتمع إنساني إلى مجتمع الغاب تحكمه قوانين الداروينية الإجتماعية بمعناها الأكثر تتطرفاً فالبقاء هنا لا يكون للأصلح فقط – وان كان هذا يعد قتل للقيم الإنسانية في حد ذاته – بل للأقوى أيضاً فمن يمتلك القوة هو فقط من يملك النصر ومن يملك النصر هو فقط من يحافظ على مصالحه بل هو فقط الديكتاتور القادم الذي سيعيد الدائرة إلى نقطتها الأولى.. القهر.. قهر الآخر .

مقال من كتاب الاغتراب 2015

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى