إيهاب الحضرى - ثقافة الأسماء المُستعارة!!

بدأتْ القصة بحملة سخرية على" فيس بوك"، فى مجموعة أدبية اسمها" ريفيو". يجتذبنى الفضول إليها كل فترة، ولا أنكر إعجابى بأسلوب الطرح المغاير الممزوج بنكهة شبابية. استوقفنى بها منشور ركّز على السياقات غير المنطقية، التى تعانى منها بعض الكتابات الجديدة، فضلا عن سمات أخرى مثل الاقتباس المُشوّه لأحداث أعمال فنية قديمة.
تصيّدتْ التعليقات المرحة عددا من الكُتّاب دون ذكر أسمائهم، إلى أن استوقفنى تعليق يتضمن عنوان رواية لم يسبق أن سمعتُ بها إطلاقا، أجريتُ بحثا عنها، واكتشفتُ أن اسم كاتبتها مجهول لى بدوره! كررتُ التجربة مع أسماء أخرى وردت فى التعليقات وجاءت النتيجة مشابهة، وأعترف أننى شعرتُ بالحيرة، لأننى أتابع الجديد فى الأعمال الأدبية باستمرار، حتى لو تُتح لى فرصة قراءتها لسبب ما. قادنى الفضول لفحص التعليقات بدقة أكبر، فعثرتُ أخيرا على مفتاح السر، إنه" واتباد"!
اكتشاف جديد فتح لى بوابة الدخول لعالم غرائبى، ينشر فيه المئات أعمالا طويلة وقصيرة، يغلب على غالبيتها الكتابة باللهجات المحلية لبلداننا العربية، فضلا عن بعض من ينشرون بلغات أجنبية. تضمّن التطبيق عناوين عادية وأخرى لا تخلو من إثارة، لكتابات أكثرها بالغ الركاكة، والغريب أن الكثيرين لا يستخدمون أسماءهم الحقيقية، بل يلجأون إلى الأسماء المستعارة وأحيانا مجرد حروف، غير أن المفاجأة الكبرى تمثّلت فى ردود أفعال القراء. كانت العناوين من عينة" الزوجان المنحرفان"، " ابنة خادمة"، " أنثى فى مدرسة عيال"، و" أحبك يا بنت عمى"! العمل الأخير تحديدا نال مليونا ومائة ألف قراءة، بخلاف أربعة وعشرين ألف تصويت لصالحه!!
وأقرّ بأن التطبيق الجماهيرى نجح فى رسم سمات موحدة لأغلب ما ينشره، حيث تتفق أعماله الطويلة فى سذاجة الأفكار وركاكة اللغة رغم الاعتماد على العامية، بالإضافة إلى هشاشة السياقات الدرامية لدرجة ضربها فى مقتل، عبر تكريس المنطق الغائب والانحياز للصدفة واللامعقولية! وبدا واضحا أن غالبية الكُتاب ينتمون لفئة عمرية صغيرة، لم يقرأ أبناؤها عملا أدبيا جادا واحدا. هذا ما توصلتُ له عبر بضع رحلات استكشافية عابرة، لكن المستقبل قد يُفصح عن وجود أحجار كريمة وسط هذه الأتربة، التى اجتذبت مئات الآلاف من القرّاء.
ذكرنى ذلك بموقف حدث قبل سنوات، عندما تداول المبدعون مقاطع من إصدار لأحد كُتّاب الـ" بيست سيلر"، بهدف فضح ضحالة ما يكتبه. جاء ذلك كرد فعل مُبرّر لمبدعين دفعتهم قسوة المفارقة للغضب، فقد تزاحم المئات فى معرض الكتاب، للحصول على توقيع صاحب العمل السطحى، بينما كانت ندوات مناقشة أعمال أدبية مُتميزة تعانى الخواء.. كالعادة. من الطبيعى أن يُفرز الموقف إحساسا بالغُبن، لكن تفريغ شحنة الغضب لا يكفى وحده، وأعتقد أن الأمر يحتاج إلى تحليل متخصص ودقيق لما يجرى، فنحن أمام معدلات قراءة قياسية، تستهدف كتابات لا تستحق النشر فى أبواب الهواة، والمشكلة الحقيقية تتمثل فى أنها تطرح ثقافة بديلة، تجعل أبناءها يتعاملون مع الثقافة الجادة، باعتبارها فكرا أكل عليه الزمان وشرب.. وربما قضى حاجته بين أطلالها! هذا إذا كانت ثقافتنا حاضرة فى أذهانهم من الأساس!!



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى