د. محمد سعيد شحاتة - رسالة امرئ القيس في عيد وفاته.. المقطع الثاني: سراديب الأماسي

لن يسألوا عني عسيب
فقد امَّحتْ أطلاله
وتفرَّقتْ بين الدروب
ذرَّاتُه وظلاله
*
عند شطِّ البحر كانوا جالسين
في انتظار المدِّ يأتيهم من الغرب خرافيَّ الوجوه
حاملا كل الورود
وبريق الأمنيات
ونسيم الشرق يمضي حاملا بعض عبير
وبقايا ذكريات
مستظلا بحكايا ألف ليلةْ
ورداء السندباد
ونصال الغدر في صدر الأميرةْ
والغواني خائرات
باحثات عن بريق في عيون الآخرين
تظهر الآن وجوهٌ شائهات
وعيونٌ غائرات
عند شطّ البحر كانوا جالسين
في انتظار المدِّ يأتيهم من الغرب خرافيَّ اللغات
حاملا كلَّ الورود
وبريق الأمنيات
*
سراديب الأماسي ترتوي من دمع حالمةٍ
تمدَّد حلمُها فوق الرمالِ
وأومأت للريح كيما تستريح من الليالي المثقلاتِ
ضلوعُها ظمأٌ
وأجفانُ السواقي نائماتٌ
والمدى منسوجةٌ أبوابُهُ من أضلعٍ
والريحُ عاصفةٌ
حقولُ الليلِ مزهرةٌ
عروقُ النهرِ ظامئةٌ
تجوسُ الريحُ بين منابتِ الأحلامِ
والوديانُ ظمأى تشتهي رِيًّا
*
سراديبُ الأماسي ترتوي من دمِّ نازفةٍ
تبعثرت الدماءُ على شواطئها
وكم نسجت لياليها حكايا القهر
وامتلأت شقوق الروحِ بالحرمان
تعانقُ صورةً نزفت ملامحُها
ولاحقها الخريفُ
وحاصرتها العنكبوتُ بما تشيِّدُ من خيوطٍ
واكتستْ أبراجُها بالظلِّ والأكفان
*
سراديب الأماسي ترتوي من روحِ حائرةٍ
تصُدُّ القحطَ عن دمها
تلملمُ ما تناثر في دروبِ الوهمِ من أجفان
وحول خبائها انتثرتْ قلوبٌ لوَّحتْها الشمسُ
أثقلها أنينُ الناي
آبارٌ معطَّلةٌ
وقصرٌ لم تزلْ تروي زواياه حكايا يوسف الصِّدِّيقِ
إذ سبعٌ سمانٌ أعقبتْ سبعًا عجافًا
واحتفى يعقوبُ
وارتجفتْ عيونُ الإخوةِ النُّدمان
"يا بنات اسكندريةْ ..... مشيكم ع البحر غِيَّة"
والعيون البابليةْ .... تِفقد العقل اتزانه
قولوا للتايهين تعالوا .... ويَّا أحلام الصبايا
كل واحد يحكي حالهْ .... واحنا ح نخبي الحكايا
كانت الحلوةْ صبيَّةْ .... وفي عنيها ألف غنوةْ
صوَّبتها البندقيةْ .... حوَّلتها خوف وقسوةْ
يا بنات اسكندريةْ .... حبكم فرض ونوافل
والعيون البابليةْ .... سهمها يقتل قوافل
يا بنات اسكندرية
*
سراديبُ الأماسي تقتفي آثارَ أغنيةٍ
معتَّقةٍ برائحةِ الحنين
تقيسُ ما بين الملامح
من مسافاتِ الأخاديدِ التي خطَّتْ مجاريها الأفاعي
في الليالي المعتماتِ
وتحتمي برؤى النفوسِ النازفاتِ أنينها
ما بين زاويةٍ وزاويةٍ تعانقُ أعينًا
وهبتْ سناها للألى نسجوا خيوطَ الحلمِ
أثقلهم أنينُ النايِ
فانتثروا على الطرقاتِ راياتٍ لمن ضلُّوا
نوارسَ للألى رحلوا
وتلك طلولُهم تروي حكايا العشق والأحلام
*
ظمئنا والمدى يكوي أضالعنا
ويوصد خلفنا الأبواب
فلا ندري
أسوف نعودُ نُدْفنُ في مقابرنا
أم الريحُ العتيَّةُ سوف تلقي في المدى الأشلاء ؟!
وندفن في الثرى رأسًا لنحلم بالخلاص
فلا نرى إلا خناجرنا
وقد مُدَّتْ بأيدينا لتذبحنا
"يا ساهر البرق أيقظ راقد السمر
لعل بالجزع أعوانا على السهر
وإن بخلت عن الأحياء كلهم
فاسق المواطر حيا من بني مطر
ويا أسيرة حجليها أرى سفها
حمل الحليِّ بمن أعيا عن النظر"
عند شطِّ البحر كانوا جالسين
في انتظار المدِّ يأتيهم من الغرب خرافيَّ الوجوه
حاملا كلَّ الورود
وبريق الأمنيات


____________________
ديوان: الفارس يترجل - الطبعة الثانية

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى