محمد داني - الموضوعات في القصة النسائية القصيرة جدا

قراءة القصة القصيرة جدا ، لا بد أن تنطلق من حيثياتها الخاصة... والقارئ/ المتلقي في مواجهته للنص القصصي القصير جدا.. يواجه مشكلة، وهي التوازن الإيقاعي الذي يأسر المتلقي ويسحره.. خاصة إذا اقترب هذا النص القصصي من القصيدة في بنيتها وشكليتها.. واقتربت لغتها من لغة الشعر...
ومن التيمات التي نجدها مشتركة في المجموعات القصصية التالية:( عندما يومض البرق للزهرة الرميج – مغيب شمسي لفاطمة الشيري- تجاعيد لآمنة برواضي- ويك مد النظر للسعدية باحدة- رقص المرايا لنعيمة القضيوي الإدريسي- رعشات لسناء بلحر)نجد::
1- الاستخفاف وتفسخ القيم: القيم ترتبط بالسلوك الإنساني عامة...والقيمة:"ترتبط بالسلوك الإنساني وما يولده من مستويات معرفية، تنبثق عنها موضوعات اجتماعية وفنية، وحضارية، وفلسفية،تتناول قضايا الإنسان وموقفه من الكون والوجود.. ومن ثم موقفه من عالم لا متناهي الحركة"...
فليست القيمة شكلا مكتملا جاهزا، ثابتا.. بل هي شكل صوري يقبله المنطق من خلال عملية استقراء الواقع الإنساني، وما ينتج عنه من حقائق ترسخ تفاعل الإنسان مع الكون..
فالقيمة التي نتغياها بالدرجة الأولى عند كاتباتنا، هي القيمة الإبداعية، المرتبطة بعملية الخلق الفني.. فتتحول الرؤيا بالفعل الإبداعي إلى خلق جديد يعكس تغيير ملامح العالم...
إن كاتباتنا يستغربن من التفسخ القيمي والأخلاقي الذي أصبح عليه المجتمع.. وبذلك اندثرت مجموعة من القيم والمثاليات، في مجتمع مادي، أصبحت تطغى عليه الذاتية، وحب المادة، والذات، والشهوات.. والمصلحة الخاصة.. والأنانية...
بالإضافة إلى قيمة إنسانية أخرى نتغياها عندهن ،وهي قيم العلاقات الإنسانية، وما يتخللها من مشاعر وعواطف، وتضحيات..وتفان..واندماج روحي...خاصة في مجتمع أصابه التفسخ في كل شيء.. وتغيرت كثير من مبادئه وقيمه... وغلب على الطابع العلائقي الماديات...وتغيرت مفاهيم الحب.. والعاطفة والمحبة إلى مدلولات مادية سخيفة...كما في نص سناء بلحر،والذي تقول فيه:
"أخذها للنزهة في غابة فاتنة...افتض كل المشاعر بكلامه المعسول...فاحت منه رائحة الدم...رمقته بعين دامعة...
فتح جرحا عميقا بداخلها...دس فيه أزمانا من الملح، ورمى بها في هوة سخيقة."(سادي، ص:46)..
ونجد في نص آمنة برواضي انفساخ القيم وتبدل العشرة إلى حرب وخيانة..حيث نجد الزوجة تتآمر ضد زوجها مع غريمه…إنها صفعة غير منتظرة.." تآمرت زوجته مع غريمه.كانت صفعة قوية على قفاه.تجمع حقد الدنيا كله في عينيه.فبدا له الكون مغلفا بسواد"(ص:42).
ونجد الكاتبة نعيمة القديوي تعبر عن انفساخ القيم..وانمحاء العلاقة الوالدية،والبر بالوالدين والاعتراف بجميلهما..حيث تقول في قصتها(ترحيب):
" آمنت بأن الأولاد زينة الحياة الدنيا
بعد وفاة الزوج وزواج الأولاد
وجدت نفسها تقاتل الوحدة
اشتكت غيابهم
رحبوا بها في دار العجزة"(ص:46)​
أما فاطمة الشيري،فتناولت تفسخ القيم من زاوية أخرى..حيث رأت أن الصداقة والاعتراف بالجميل ورد المعروف والإحسان لم يبق لهما وجود في هذا الزمان الذي طغت فيه الماديات..ففي نصها(الكريم) تتعرض فيه لمن غدر به أصدقاؤه وهجروه لأن حاله المادي تدهور..
" أحاطه الأصدقاء باهتمام خاص.
كان مصدر رزقهم.
تناسوه.
عندما جفت ينابيعه.(ص:19)​
أما السعدية باحدة أن مجموعة من القيم اندثرت مثل الشرف والدفاع عن الكرامة، والثورة ضد الظلم،والاعتزاز بالنفس،حيث رأت أن الخنوع والانهزامية والرضى بالحال،والنوم بدل الحركة.. أصبحت صورة مألوفة …ففي نصها( خذلان) تقول:
[SIZE=22px]"أينع الربيع[/SIZE]
وشقشق النعمان
فخلد الصفرد للنوم(ص:18)..​
نفس الشيء تشير إليه الزهرةالرميج،حيث تندد بالروح الانهزامية والخنوع والخذلان الذي أصبح مطبقا على النفوس..
[SIZE=22px]"استيقظ الديناصور.رآه جاثيا كالعادة…[/SIZE]
تثاءب وعاد إلى سباته"(ص:86).​
2- القلق الإنساني: تنبهنا كاتباتنا إلى سمة مرضية أصبحت تطبع عصرنا الحالي...وهي سمة القلق والتوتر، التي أصبحت ملازمة للإنسان المعاصر.. جراء ما تعرفه حياته من تغيرات، وتحولات.. ومشاكل ، وصعوبات واختلالات...
وهذا القلق يدفع بالإنسان إما إلى الانطواء والعزلة، والاكتئاب، والانكماش النفسي، أو إلى الانفجار والانفصام، والدهان، والتمرد، أو إلى الانتحار.. وهذا نجده في قصة (تقلص) لسناءء بلحر، حيث أن النفس عندما يدب إليها اليأس، يتمكن منها القلق، والقنوط، فتغرق هذه النفس في الانطواء، والصمت القاتل..." عشقها أكبر من ان تسعه سماؤه الحالمة... هو يحلم دائما بحب كبير ووارف...ينتظره منذ سنين...يوم لقيه، وجد سماءه قد أكلت منها تجاربه الفاشلة...تقلص أكثر وانغلق على نفسه.
هي ازدادت اتساعا في حلمها الشاهق...لكن داخل نفسها."(تقلص، ص:31).
وترى المبدعة الزهرة رميج أن القلق والتوتر وامتلاء الصدر بالضغينة والغضب،كلها تدفع بالإنسان إلى رد الفعل والقيام بسلوكات عنيفة وعدوانية…ففي نصها(انتقام) تقول:" كانت قسوة الأم لا تطاق.لم يجد الطفل جوابا شافيا لتساؤلاته.لم يجد وسيلة للانتقام.
ذات يوم ،لو يتمالك نفسه ،فبال في الفراش.ما إن رأت الأم فعلته حتى راحت تلطم وجهها وتنتف شعرها وقد جحظت عيناها حتى كادتا تغادران محجريهما.أحس بسعادة عارمة لم يشعر بها من قبل.
أخيرا اهتدى إلى طريق الانتقام.."(ص:71).
وترى السعدية باحدة أن التوتر والقلق يدفع بالإنسان أحيانا إلى تمني أشياء بعيدة عن المنطق والتعقل…فكثير من يمنى في لحظات توتر الشر لنفسه،ويتمنى لو انقلب او مسخ شيئا آخر غير ما هو عليه..كما في قصتها(انسحاق) والتي تقول فيها:
"تمنى إنسان مقهور ان يصير حشرة لا ترى بالعين،أو يصير ميكروبيا لا يندس إلا في جسد ألد أعدائه الذين همشوه.
في غياهب الحلم صار حشرة مضرة،سرعان ما حاصرته أقوى المبيدات..امّحق دون ان يخلف أثرا"(ص:32)..
وترى فاطمة الشيري أن الإنسان الذي يعمل غيره على إغاظته ونرفزته، وإقلاقه..فإنه يدفع إلى الانفجار..فضغط القلق والتوتر يدفعانه إلى الانتحار..كما في قصتها(الضمير):
" لم تسمح له بالنوم يوما،و لو لحظة.
فقضى عليه الأرق وانتحر.(ص:72)​
3- الانهزامية: الانهزامية : الشعور بالخسارة، واليأس في تحقيق تقدم.. وفقدان الأمل، والشعور بالضياع، بالفشل والإحباط والضياع...
وعندما يحس الشخص بالانهزام النفسي، والإحباط...ويدب التردد إلى نفسه عندما ينوي الإقدام على فعل.. فإن حياته تكون كلها استسلام، وخنوع، ورضا بالواقع.. هذا ما نجده في قصة (قيدان) لسناءء بلحر.. حيث الشخصية تود الهرب والابتعاد بعيدا، والشعور بالحرية، والرغبة في الانعتاق، والاختيار بكل حرية..لكن التردد والنزعة الانهزامية الراسخة في النفس،تعدله عن ذلك فيفضل الرجوع إلى أيامه الماضية والانغماس في الحسرة،وبذلك يقع في قيدين: قيد الانحباس والتبعية للآخر، وقيد الرضا بمآل الحال...
" تود الهرب... اليوم ستقرر...سترحل...ستختار...
التفتت يمنة ويسرة، فبدا لها قلبان بريئان يرمقانها ببسمات حنون... تخلت عن الفكرة، وأعادت القيدين إلى معصميها"(ص: 19).
وكذلك قصة الزهرة الرميج(الديناصور) والتي تقول فيها:" استيقظ الديناصور.رآه جاثيا كالعادة..تثاءب وعاد إلى سباته"(ص:86).
وقصة (حيرة) لفاطمة الشيري:
طفح الكيل.
قررت هجره.
عارض الفؤاد.
معلقة ظلت.(ص:92)​
وترى نعيمة القضيوي أن الإنسان كل سلوكاته وأفعاله تدل على انهزاميته واستسلامه..فنجدها تقول في نصها(أطعمة):
[SIZE=22px]" بطعم الحلاوة استساغت كلامه[/SIZE]
بطعم الملوحة وقع لذته وذاب
بطعم سكرة الموت استسلمت للقدر(ص:30).​
4- التهور واتباع هوى النفس: التهور يؤدي إلى التهلكة.. والذي لا يحسب خطواته، ولا يخطط لأموره، دائما ينتهي إلى حسرة وندم، وبكاء على ما فات. كما أن التهور أحيانا، يجعلنا نتبع أهواءنا ، ولا ننظر حولنا.. ولا نأخذ حذرنا.. فنرمي بأنفسنا إلى التهلكة.... وكما نعرف... الحياة مليئة بالملذات التي تلهينا وتنسينا عن المخاطر التي تحيق بنا...ففي قصة سناء بلحر(غدر،ص:54)نجد الكاتبة تصور نتيجة التهور واتباع الهوى والنفس ورغباتها...تكون هذه النتيجة قاتلة، مخيبة، ودامية... فكم من فتاة مناها حبيبها بالأماني المعسولة..وصور لها الحياة في لون أخضر أسيل...وعندما يتم اللقاء، تفيق هذه الأنثى من حلمها لتجد نفسها في هوة سحيقة لا مخرج لها...ينتابها الألم والحسرة .. وتمزقها المفاجأة لما تقف على غدر هذا الحبيب، وتلاعبه..
" أهداها باقة من ورود مختلفة... كل وردة لها عطر خاص...
كل صباح تشم واحدة منها... تمتص أريجها حتى يصل إلى العمق، وتسبح في أحواض حبه...
بعد أيام قلائل، وجدت ميتة في حوض من أحواضه... المسمومة"(غدر، ص:54).
وأحيانا يدفع التهور إلى عدم النظر إلى العواقب..ولا يبالي بالنتائج..ففي قصة السعدية باحدة(دعوة) نجد أن اتباع الهوى وعدم استعمال العقل والفكر، يدفع إلى نتائج وخيمة حيث لا ينفع الندم.
" دعاهم لمناصرته والوقوف إلى جانبه في وجه الظلم
"لما اداروا له ظهورهم.."
امتطاهم الظلم.أسدل رجليه وأحكم لجامهم"(ص:33)
5- التهميش والإقصاء: أصعب شيء أن يحس الإنسان أنه مقصى، ومهمش... في مجتمعه ووطنه، وبين دويه.. الشيء الذي يشعره بالغربة،والوحدة والدونية.. ويكون هذا الشعور حادا... وداميا خاصة من الأنثى لأنها أكثر حساسية ، ورهافة.. ورقة...تتعالى حساسيتها عندما تكتشف أن كل من حولها لا يصيخها سمعا.. وأن الكل يعرض عنها ،ويتناساها. ساعتها تتعالى آلامها.. وترتفع معاناتها..ويشتد في داخلها عنف التذكر، وعنف السؤال، وعنف التصور... ففي قصة (حالة) للزهرة رميج نجد مدى التهميش والإقصاء والنكران عندما يتخيل مثقف أنه سيلقى الاعتبار من مواطنيه..لكنه يصطدم بواقع مر حين يكتشف ان القاعة فارغة من الحاضرين.." اجتاحته حالة الدويندي وهو يلقي خطابه على الجمهور.أغمض عينيه متلذذا بجهورية صوته وفصاحة لسانه.
أيقظه هدير التصفيق.فتح عينيه،لا أحد فيالقاعة"(ص:85).
وهذا ما نجده أيضا في قصة(عنف)، والتي تقول فيها سناء بلحور:
"هي تشعر بعنف الغياب ، بعد وفاة أمها...
هي تشعر بعنف الغياب، بعد زواج أبيها...
هي تشعر بعنف الغياب رغم كل المحيطين بها... كلما نادتهم ما استداروا...أدركت آنذاك أنهم بأسماع صماء."(ص:11).
6- الخيبة والانكسار: الإقصاء والتهميش يولدان الشعور بالخيبة، وينميان الشعور بالانكسار.. والدونية.. لكن الصعب والشديد الوطء على النفس عندما يحس الإنسان بخيبة قاتلة عندما يعجز عن ممارسة حقه العاطفي.. فيحس أنه ميت أو مثل وردة ذابلة تطِؤها الأقدام، وبالتالي يتنامى الشعور بالخيبة والانكسار.. فيدب اليأس إلى نفسه وربما هذا يؤدي بالشخص إلى الانتحار ، أو الهروب من الحياة بالمرة...والانغماس في العزلة والانطواء والنفس...وهو نوع من الانتحار الرمزي.
" ضبطته متلبسا في حضن الخادمة.وقفت مذهولة،وصرحت ما هذا يا رجل؟
رد عليها ببرود تام: أو ما ملكت أيمانكم"(ص:56)
وتقول سناء بلحر" هو كل الأوجه ولا أحد منها...كلما أمسكت به ، منتشية بفرح صغير استفاقت ويداها خاويتان...يسقط مطره على وجهها قاسيا...كلماته كورق أخضر يصفر بعد هنيهة...كلما رشته بالماء مات".(خيط عنكبوت، ص:44).
7- السادية: كثير منا يحبون الألم، ويبثونه إلى الآخر.. كيفما كان نوعه: إنسانا، أو حيوانا، أو نباتا... يتلذذون بتعذيب الآخرين ليرضوا نزوة من نزواتهم.. وهذا دليل على مرضهم النفسي.. وذهانهم السادي الشديد .. كما عبرت على ذلك قصة(سادي)لسناء بلحر:"أخذها للنزهة في غابة فاتنة...افتض كل المشاعر بكلامه المعسول... فاحت منه رائحة الدم...رمقته بعين دامعة...
فتح جرحا عميقا بداخلها... دس فيه أزمانا من الملح، ورمى بها في هوة سحيقة."(ص: 46).
ومن السادية الدنيئة البيدوفيليا حيث يتلذذ السادي بجسد صغير الغض مغتصبا براءته وطفولته…وهذا ما تحاول نعيمة القضيوي الإشارة إليه في قصتها(صحوة)..
" في غمرة فرحها بوجود رجل جديد يملأ حياتها..تناست طفلها.
بحثت عنه ذات صحوة..دلفت غرفته.صعقت. كان الصغير يئن تحت وطأة الجسد الثقيل" (ص:44)..
وترى آمنة برواضي كبرياء المرأة نوعا من السادية ما دامت في كبريائها تعذب محبها وعاشقها.تقول في قصتها(صفعة):
"صفعته بكبريائها.
فاندفع نحوها يحييها
مداريا بذلك آثار الصفعة
فداسته بنظراتها غير مبالية بالتحية."(ص:38)​
أما فاطمة الشيري فترى السادية في النفاق والجري وراء المصالح وجعل الصداقة واسطة ومطية للوصول إلى الغايات..ففي قصتها( غيروها) نكتشف هذا النوع من السادية.
"ألبسوا الصداقة رداء.
نسجوه من المصلحة،المزركش بالزبونية.
حجبت مبادئها الأصلية.
فاختنقت"(ص:50).​

8- العبث الوجودي: صعب أن يجد الإنسان نفسه أنه يعيش عبثا وجوديا يبين فراغه الروحي، والثقافي... وحتى الوجودي... يعيش في هذه الدنيا بدون هدف.. لذا تطرح سناء بلحور الفكرة والموضوع في قصة (نجمة)، والتي لا تخلو من رمزية، وإحالة وإيحاء...
فالشخصية الرئيسية تجد نفسها وحيدة بعدما سافر محبها...فقررت أن تتبعه لتحظى بقربه..ومن بعيد أخذت ترقبه، بعدما تيقنت أنه لم يعد يهتم بها...تراقبه من بعيد بعينين دامعتين لأنها تحمل له حبا لا يتصور .. لكن السؤال المطروح هو:
- ما جدوى هذا الحب؟ وما جدوى هذه العلاقة إذا كانت تنتهي هكذا؟...
إنه نوع من العبث أن نحاول أن نجعل من البشاعة جمالا ، ومن المستحيل ممكنا...وان نجبر أحدا على قبولنا، وحينا... فما القيمة لهذه العواطف إذا كانت تؤدي إلى النظر من بعيد في حسرة وتأسف؟...
وفي قصة(الأرجوحة) للزهر رميج نجد الشخصيتين يعيشان لحظات من العبث حيث تعرف حياتهما وعلاقتهما تقلبات يومية.." بالليل،وخاصة عندما يكون مخمورا،يرفعها إلى السماء السابعة.
بالنهار يهوي بها إلى الأرض السابعة.
يتعاقب الليل والنهار..
يتعاقب الرفع والخفض..
يتعاقب التقديس والتحقير..
تستمر الأرجوحة في الارتفاع والانخفاض..
تستمر الحيرة في الدوار.
أيهما تصدق؟وحي الليل الجميل أم محو النهار الجارح؟(ص:12).
وترى السعدية باحدة أن الأمر عبث حين يرى المرء التغير قد حدث من حوله ولكنه لا يبالي بذلك بل يفضل النوم والبقاء على حاله..فنسمعها تقول في قصتها(خذلان):
[SIZE=22px]" أينع الربيع[/SIZE]
وشقشق النعمان
فخلد الصفرد للنوم"(ص:18)​
9- الاغتصاب والاعتداء: مظاهر الاغتصاب والعدوان متعددة ، وكثيرة.. يمكن أن يكون اغتصابا للحريات العامة، أو للكرامة والإنسانية.. ويمكن أن يكون اغتصابا للشرف، وللأحلام والآمال والطموح، ويمكن أن يكون اغتصابا للحياة، والحق في العيش ، كما في قصص (فراشات- نجمة- موت- قيدان- بلعيد- متهور- تخل- تقلص- تباعد- اختناق- ذهول- )...
إن بلحور سناء، تقدم مجموعة من الصور المتناقضة في أدق تجلياتها.. بأسلوب لا يخلو من فنية ، واحترافية.. ما دامت تضع في مخيالها أن هذه النصوص القصصية هي موجهة إلى قارئ/ متلق تضع له مجموعة من المواصفات في ذهنها... ولذا جاءت هذه النصوص القصصية متنوعة الرؤية.. متنوعة الضمير.. وبالتالي يتورط المتلقي/ القارئ مع الكاتبة في وضع مجال لهذه النصوص.. وتحديد دوالها...
إنها تريد بهذا أن تجعل المتلقي/ القارئ من خلال هذه النصوص أن ينتقل من التلقي إلى المساءلة،ومن التقليد إلى التملك.. خاصة وأن النص القصصي أو المقروء ، يقوم من مواقع مختلفة، أي في نمط البنية في الشكل، في أثره على مسار انتظام التركيب التعبيري، على توالي الجمل ، على منطق تمفصل البنيان اللغوي، على أصوات الشخصيات في القول الذي يقص، وعلى حركات الزمن فيه...
10- الخيانة: تندد الكاتبة بالخيانة، وبعدم احترام المشاعر، وانتهاك إنسانية الإنسان حين التلاعب بعواطفه، ومشاعره... وتمنيه بأحلام كاذبة، وخداعه بمشاعر مصطنعة...لكن الخطير جدا عندما تصبح الخيانة سلوكا.. ويتخذها المرء نموذجا وموقفا...ساعتها تضيع المشاعر الصادقة...وتنجرف الأحلام في واد الخيانة والغدر والتلاعب.وتصبح نار العواطف خامدة.. ويغلف الروح برود وصمت وصقيع...ساعتها يفقد الإنسان إنسانيته، وتسقط منه كل القيم...
" هو يخون...هي تخون... الآخر يخون...الأخرى تخون...وهكذا ... مد كل منهم يده للآخر، فاشتعلت نار الخيانة...
جلسوا حولها ليتدفؤوا من صقيع المشاعر، ويشبعوا جوع العاطفة...خانتهم النار... فخمدت ." (خيانة ،ص :40 - رعشات ) .
وتقول آمنة برواضي في قصتها(نسي اسمها):" انتبهت من غفلتها وجدته نسي اسمها.
منذ أخطأ وناداها باسم أنثى غيرها لم يعد يناديها باسمها"(ص:47).
11- الربيع العربي:اهتمت كاتباتنا بالربيع العربي وما نتج عنه من تغييرات وتحولات ..فنجد آمنة برواضي تهتم بالمشكل السوري وكيف كان هذا الربيع العربي وبالا على شعب حيث أصابه التشرد والدمار والتشتت. وأصاب البلاد خراب كاسح…
[SIZE=18px]"حل الربيع بدمشق[/SIZE]
ليس ككل ربيع.
طال انتظار إعلانه عن نفسه بشعاع عن نور.
خرج الشعاع شمسا ملتهبة. تأتي على الأخضر واليابس..
صيرت الأرض جسما أنهكه المرض والجوع"(ص:11).​
و تصور السعدية باحدة حالات الربيع العربي وأطواره،كيف انتقل من حرب الانترنيت إلى الاحتجاج بالميدان العام وما نتج عن هذا الاحتجاج من اعتقالات ومحاكمات..وقد خصصت لهذا مجموعة من النصوص القصصية مثل قصتها(محكمة) ، و(زعموا أن..)، و(خذلان) ، و(شتاء عربي). فنجدها تقول عن ( البوعزيزي) التونسي الذي أضرم في جسده النار، وكان الشرارة لانطلاق الربيع العربي في نصها(بروميثيوس):
"كإله صغير،يجر عربة بلا بعير..يوزع البسمات برائحة الأناناس..والهمسات بنكهة الإجاص.لا يرضى أن تعلو هامته غير ثمار البلح والزيتون..
قيل هبت طيور الظلام،أغلقت منافذ النور وصادرت الأحلام.لكن بروميثيوس أنزل جذوة النار،وأهدى جسده النحيل لنسر الليل الطويل.فاستيقظ اهل القبور.(ص:20)..
أما فاطمة الشيري فتهتم بالتحولات التي مست الربيع العربي وما ظهربعده من طائفية وإرهاب ودمار..ففي نصها (العيش بسلام) تقول:
"عصفت الرياح بالربيع العربي.
اجتثت السلام المتأمل منها.
أنبتت شتلات الطائفية.
فعمت الفتنة.(ص:30)​
12- الصور الاجتماعية المتعددة:لقد استطاعت كاتباتنا أن تجعل من القصة القصيرة جدا أداة لنقل كثير من الصور الاجتماعية التي أصبحت تسود مجتمعنا العربي بصفة عامة..مثل الاعتداء على الأصول ،والتحرش الجنسي الذي أصبحت تلاقيه المرأة في كل مكان..ورمي الوالدين بدور العجزة،والاغتصاب،والبيدوفيليا،والخيانة الزوجية،والتقزز من ولادة البنات..والصراع بين المرأة والرجل حول العصمة.. والتسول،وغيرها من القضايا الاجتماعية…

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى