أ. د. محمد عبد الرحمن عطاالله - عرجوب وسرقة الحلم في منجز سيد شعبان السردي

عرجوب في السوق قصة قصيرة للدكتور سيد شعبان؛ تمتاز بالتكثيف الشديد، والإيجاز والاكتناز؛ تنحو لغتها نحو الشعرية.
يمثل " عم مخلوف " الشخصية الرئيسة في النص؛ بينما يمثل " عرجوب" الشخصية الثانوية؛ لكنها شخصية لها أهميتها في السرد؛ فهي التي صنعت الحدث، ونسجت خيوطه.
" عم مخلوف " رجل فقير؛ طوى الجوع أحشاءه؛ يجتمع البائعون في سوق بلدته كل سبت، وهو لا يسبت؛ بسبب ضيق اليد، وضعف الحال؛ لكن مطالب الأطفال ملحة، وما عاد يصلح التعلل؛ فما كان منه إلا أن " باع نصف إردب من خزين القمح؛ الحصاد على الأبواب؛ فما يمنع من أن يتخفف مما لا حاجة به... ها هو الآن ينتشي بمائتي جنيه".
وينقلنا السرد إلى حلم البسطاء، وعالم الفقراء؛ عبر المكان/ السوق، أو المكان/ الحلم؛ " أخذت الأحلام المؤجلة بأن تطبخ أم الخير اللحم؛ تقترب من أن تكون حقيقة؛ لقد أكل الجوع بطنه".
تاقت نفسه أن يشتري موزًا، أو برتقالًا، أو بضع حبات من التفاح الأمريكي؛ تعوضه المش الذي ضرب جدار بطنه. ولم يقف الحلم عند " عم مخلوف "؛ بل امتد إلى ابنته " منى " التي كانت تحلم بالتفاح الأمريكي " منى ابنته تودُّ؛ لو تفاخرت بحبة منه أمام زميلاتها في المدرسة".
اقترب السوق من نهايته، ولم يَشْتَرِ " عم مخلوف " شيئًا؛ فقد كان " عرجوب " يتبعه مثل ظله، بداية من بيعه القمح؛ حتى انتقاله إلى السوق؛ فعرجوب شاطر وماهر و مخادع ومراوغ " احتضنه جيِّدًا؛ فعم مخلوف رجل طاعن في السن، وبمهارة لا يُحسد عليها عرجوب؛ كانت الحافظة في قرارة جيبه؛ تخلص منه في سرعة، ووعده أن يأتي إليه؛ ليساعده في شراء حاجات السوق".
إن بنية السطح؛ تنبئ عن حدث بسيط؛ لصّ يسرق مال رجل؛ وهذا الحدث؛ يتكرر كثيرًا في عالم الواقع، مما يجعل تكراره؛ لا يثير الدهشة والاستغراب؛ بينما بنية العمق؛ تشير إلى خلاف ذلك؛ فعرجوب رمز إلى الانتهازيين، ومصاصي الدماء في كل زمان، وكل مكان.
ومحدودية المكان والزمان في بنية السطح؛ تتسع في بنية العمق، ويتحول "عرجوب " في بنية العمق مجموعة من العراجيب ؛ تنتشر في الفضاءات الزمانية والمكانية على حدٍّ سواء.
فقد يرمز " عرجوب " إلى المستعمر والمحتل في الزمن الماضي؛ الذي سرق الأرض، وسرق أحلام الشعوب، وعاق حركة تقدمها ورقيها فترة من الزمن.
وقد يرمز إلى هيمنة الدول الكبرى على الدول الصغرى، والإسهام في فقرها، وتخلفها عن ركب الحضارة والتقدم.
وقد يكون " عرجوب " معادلًا موضوعيًّا للكيان اليهودي المحتل، الذي سرق حلم الفلسطينيين، وحلم العرب جميعًا.
وإن كان " عم مخلوف "؛ ظهر ضحية؛ إلا أن السرد يدينه؛ فغالبًا ما تضيع الحقوق، وتُسرق الأحلام؛ عندما ترضى الضحية بالظلم والهوان، ولا تحاول تغيير واقعها المرير، وتتقاعس عن البحث عن الحرية، والعيش الكريم.
وإمعانًا في إدانة الضحية نرى الحمار يتمرد على الواقع " قطع الحمار الحبل، وإمعانًا في السخرية منه أصدر نهيقًا متواصلًا؛ رفع أذنيه؛ وبقفزة بهلوانية ضرب الأرض برجليه الخلفيتين؛ ثم فرَّ موليًّا، ومن خلفه يلهث عم مخلوف؛ فقد ضاع السوق، وجُنَّ الحمار!" هذا النص مع اكتنازه الشديد؛ يمتلك قدرة فائقة على الإقناع والإمتاع معًا، ويُدخل القارئ في صميم الجمالية، التي هي سمة أصيلة من سمات العمل الأدبي.





1623183687418.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى