شذى توما مرقوس - لطيف موسى اسحق ﭙــولا

مُقَدِّمَة

.... لا أُخْفِي على القَارِئاتِ العزِيزَات والقُرَّاء الأَعِزَّاء أَنَّ أَمْرَ الكِتَابَة عَنْ لطيف ﭙــولا لَمْ يَكُنْ بِالسَهْل في جَمْعِ أَطْرَافِ سِيرَتِهِ نَظَراً لِغزارَةِ عطائهِ وتَشَعُّبِهِ ، أَيْضاً تَعدُّدِ مَواهِبِهِ وقَابلِيَّاتِهِ ونِتَاجاتِهِ والَّتِي تَتآلفُ حِيْناً وتَسْتَقِلُ حِيْناً آخَر ، واجَهَتْني الصعُوبَة في إِعْدادِ وتَرْتيبِ سِيرَةَ نَشَاطاتِهِ الأَدبِيَّة ، الفَنِيَّة ، وغَيْرها لإِظْهارِها بِالشَكْلِ الَّذِي يَفِي هذا العطَاءَ حقَّهُ ، فهو يَكْتُبُ القِصَصَ القَصِيرَة ، كما يَكْتُبُ في أَنْواعِ الفنُونِ المَسْرَحِيَّة ( المَسْرَحِيَّة ، الاوبريت ) ، أَيْضاً يَكْتُبُ الشِعْر وتَتَحوَّلُ أَشْعارَهُ أَغانٍ بِفِعْلِ مَوْهِبَتِهِ في الغِناءِ والتَلْحين ، وتُصْبِحُ الكثِيرَ مِنْ اوبريتاته فيديو كليبات وتَرْسُو في الْبُوماتِهِ الغِنَائيَّة ، أَوْ يَقُومُ بِتَحْوِيلِ أَشْعارِهِ لِخُطُوطٍ فَنِيَّة تَسْتَقِرُ فَوْقَ لَوْحةِ رَسْمٍ ، أَوْ أَعْمَالٍ فَنِيَّة أُخْرَى مُتَنَوِّعَة ، وبِفِعْلِ مَقْدِرَتِهِ في التَمْثِيل يُجَسِّدُ الأَدْوارَ الَّتِي كتَبَها في مَسْرَحِيَّاتِهِ .
هو يَجُوبُ الجِبَالَ والوِهادَ والبَرارِي في مُمارَسَةٍ لِرِيَاضَتِهِ المُفَضَّلَة تَسَلُّق الجِبَالِ والمَشي بَاحِثاً في الكهُوفِ والمَغَارَاتِ والوِهادِ عَنِ آثَارٍ قَدِيمةٍ تَرَكها الأَجْداد مَنْسِيَّة مُشَوَّهة الأَسْماء ، فيَزُورها ويَكْتُب عَنْها ، كتَبً عَنْ مُعْظَمِ الوِهادِ والكهُوفِ وخَرائِبِ الأَدْيرَة في جَبَلِ الْقوش والقُرَى المُجاوِرَة كبَقَايَا ديْر بَنَاتِ مريم في كرسَافا ، وديْرِ مار عوديشو في النَصِيرِيَّة ، وكوباب دابي ، ومَغَارَاتِ شلايي ، ومَغَارَاتِ وَهْدَة بندوايا ، ووَهْدَة خنس ، وجَبَل داكان ، ومَغَارَة رابي رَابا في وَهْدَة قبلا ، ومَغَارَة القَسّ حنا وباصوايي وغَيْرها ، ولَمْ يَكْتَفِ بِالكِتَابَةِ عَنْها وإِنَّما صَحَّحَ لَفْظَ أَسْمائها واسْتِخْرَاجِ مَعانِيها ، وجَمَعَ كُلَّ مَواضِيعِهِ هذِهِ في كِتَابٍ جاهِزٍ لِلطَبْعِ بِعُنْوان (مَقَالات مِنْ خَلْفِ القُضْبَان ) في أَرْبَعمِئةٍ وثَلاثِين صَفْحَة مِنْ الحَجْمِ الكبِير ، وهو يُحاوِلُ أَنْ يُتَرْجِمَ كُلَّ هذَا التُراث إِلى لُغاتٍ أُخْرَى لِيُعرِّفَ بِهِ الآخَر ويُسَافِرَ بِصَوْتِهِ إِلى أَغْلَبِ بِقَاعِ الأَرْضِ فيُتَرْجِمَ بَيْنَ اللُغاتِ الثَلاثَةِ ( السرْيَانِيَّة ، الانْكلِيزِيَّة ، العرَبِيَّة ) بَعْضَ نِتَاجاتِهِ .

وأَكْثَر ما شَدَّ انْتِباهي في نِتَاجاتِهِ هو تَخْصِيصُ بَعْضٍ مِنْها لِشَرْحِ مُعانَاةِ الحيَوانَاتِ ، وظُلْمِ الإِنْسَانِ وقَسْوَتِهِ في التَعامُلِ مَعَها ، ونَقْرأُ ذَلِكَ جلِيَّاً في قِصَّتَيهِ القَصِيرَتين : ( مَوْتُ الحِمار عُرْسُ الكِلاب ) و ( يَوْمُ إِعْدامِ كورج ) .
يَوْمُ إِعْدامِ كورج ...... الِقصَّة الَّتِي جَعلَتْنِي لا أُكفْكِفُ دَمْعاً فَاض أَمامَ مَصِيرِ حيَوانٍ بَرِيءٍ وصُورَةِ الإِنْسَان الَّذِي لا يَسْتَحي مِنْ قَسْوَتِهِ ولا يَخَافُ مِنْ ارْتِدادِ ظُلْمِهِ علَيْهِ ، الإِنْسَان الكائنُ المَغْرُور ، أَسْوأُ الكائنَاتِ قَاطِبَةً ، وأَشَدَّهُم عُنْفَاً وقَسْوَة .
هذا الجانِب مِنْ نِتَاجِ لطيف ﭙــولا عَرَّفَنِي أَنَّنِي أَمامَ إِنْسَانٍ مُتَميّز يَحْتَرِمُ الحيَاة بِأَشْكالِها المُتَعدِّدَة ، ويُؤْمِنُ بِحَقِّ الحيَاةِ لِكُلِّ كائنٍ حيٍّ ، إِنْسَاناً كانَ ، أَمْ كلباً ، أَمْ حِمارَاً ، أَوْ نَمْلَة ........
فشُكْراً لَهُ .....
عطَاءُ لطيف ﭙــولا شُعْلَةٌ لا تَخْبُو ، وعسَانِي وُفِقْتُ في الْتِقَاطِ بَعْضٍ مِنْ الصُوَرِ لِهذِهِ الشُعْلَة ، والَّتِي نَأْمَلُ أَنْ تَبْقَى مُتَقِّدَةً لِنَرَى مِنْ خِلالِ نُورِها ما خُفِيَ عنَّا .
وهو يَقُول أَنَّ اللُغةَ السرْيَانِيَّة احْتَضَنَتْ مُعْظَمَ نِتَاجاتِهِ ، إِنَّما ذَلِكَ نَتِيجةَ شعُورِهِ بِالمَسْؤُولِيَّةِ الكبِيرَة تُجاهَ لُغتِهِ وتُراثِهِ وتَارِيخِهِ واسْتَهْلَكتْ مِنْ وَقْتِهِ وصِحَّتِهِ وحيَاتِهِ الكثِير .
كُلُّ التَقْدِير لِلفَنَّان والأَدِيب لطيف ﭙــولا .
أعلى