ناجي ظاهر - هكذا يضع الكاتب قصته.. هواجس

في اكثر من لقاء طلاب وادبي ايضًا طرح عدد من المشاركين السؤال: كيف يضع الكاتب الفنان قصته. من أين يبدأ وكيف يشرع في الكتابة ويواصلها إلى النهاية المقنعة المنشودة، بحيث تأتي قصته مقبولة من جمهرة القراء وصالحة لاطلاعهم عليها وربما تأثرهم بها.
سبق وطُرح هذا السؤال وامثاله على العديد من الكتاب العرب والاجانب، وقد تعددت الاجوبة عليه، وتنوعت فمن قائل ان القصة قد تولد من جملة عابرة او مشهد لافت/ يوسف ادريس وجابرييل ماركيز مثلًا، إلى قائل ان القصة قد تولد دون كبير اعداد وتحضير وانها قد تبدا ، تنمو وتتطور وفق نسقها وسياقها الخاص بها/ نجيب محفوظ، إلى قائل إن القصة تحتاج إلى ترتيب وتنسيق مسبقين، وفق ايحاء من حادثة متخيلة عابرة قد لا تلفت احدًا اخر غير كاتب القصة/ حسين القباني. إلى قائل إن القصة ما هي إلا عملية حفر في معنى ما او احساس ما وتهدف في كل ما ترمي اليه إلى تجسيد ما يريد ان يوصله كاتب القصة الى قرائه/ ادجار الان بو.
على هذا ومن منطلقة اتفق الكتاب واقروا بالمجمل على ان كاتب القصة المبدع لا ينقل عن الواقع وانما هو يعيد تشكيله في قصة ذات معنى وتمثل وجهة نظر، وقد اتفق الدارسون وكتاب القصة في هذا السياق على ان القصة يفترض ان تعتمد المخيال الادبي وتتوسل به لتوصيل ما تود ان توصله إلى قارئها، كما اتفقوا وهذه نقطة هامة جدًا، على ان هناك فرقًا كبيرًا بين القصة الصحفية التي تعتمد الواقع الصرف عمودًا فقريًا لها وبين القصة الفنية التي تُبحر في عالم التخييل مقتنصة من الواقع بعضًا من تفاصيله ومعيدة بنائه في الآن ذاته.
القصة بهذا المعنى لا تختلف كثيرًا عن اللوحة الفنية والقطعة الموسييقية، وانما هي تتشابه معها وتتقاطع لا سيما فيما يتعلق بأهمية التخييل الابداعي في تكوين صاحبها لها وفي تشكيله لما يراه من وقائع سيقوم بتوظيفها في قصته، هذا التشكيل قد يتم منطلقًا من واقعة حقيقية إلا أنه لا يعيد سردها بما زخرت به من وقائع، وانما يسعى لإعادة تشكيل ما ضمته من وقائع بحيث تتحول إلى قصة فنية .. قصة اخرى تشبه تلك التي حدثت إلا أنها لا تنسخها، وإلا باتت قصة صحفية لا تحتاج إلا الى نوع من المهارة ليقوم بكتابتها كاتب صحفي ما ويقدمها وجبة مفيدة ومسلية لقرائه. ان عملية التخييل في كتابتنا للقصة تمحنها حياة اخرى وبُعدًا آخر حتى لو قامت هذه القصة على واقعة حقيقية او اعادت بناء هذه الواقعة. يزيد في هذا انه يفترض ان يكون لكل قصة راويها، إضافة لكاتبها، لتوضيح هذا اقول ان الكاتب هو من يكتب القصة اما الراوي فهو شخصيتها المركزية، الشخصية التي يقدمها كاتبها من وجهة نظر راويها وعلى لسانه. ان دور الراوي في القصة يعتبر دورًا اساسيًا، ذلك ان ما تقدمه القصة وتحفل به من وجهة نظر، انما يأتي ضمن عملية تخييل صرفة.. تفترض الرؤية العيانية/ وجهة النظر الخاصة بالراوي وتعبر بلغته.. وفق الحالة.. حزنًا، سخرية او فرحا.
هنا يبرز السؤال ما هو دور كاتب القصة في تشكيلها؟ اجتهادًا في الاجابة على هذا السؤال اقول ان دوره كبير فهو مَن يتخيل ومن يخلق شخصية راوي قصته، غير انه يفترض أن يقوم بهذا كله بعيدًا عن الظهور وابعد ما يكون عن المباشرة، انه يقدم راويه معتمدًا على خبراته وتجاربه التي اكتسبها طوال سنوات عمره الماضية، لهذا يفترض ان تأتي قصته متضمنة تجربة نمطية شاملة تتجاوز ما هو شخصي في محاولة للوصول إلى ما هو انساني ويخاطب المشاعر البشرية في عمقها الموحِّد لكل ابناء البشرية. إن كاتب القصة الفنية الجديرة بهذه الصفة انما يغترف ما يكتبه ويقدمه للناس من قصص.. من خزان تجاربه وليس بالضرورة من تفاصيل حياته الشخصية او تفاصيل ما حدث او قد يحدث لمحيطين به.
هكذا يكتب كاتب القصة الفنية قصته وهكذا يجعلها قادرة على تجاوز ما هو شخصي، مع اهمية التجربة الشخصية، الى ما هو عام وانساني.. جدير بالقراءة اولا وبالبقاء ثانيا.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى