أ. د. عادل الأسطة - حديقة المنزل وبيت العائلة

غالبا ما يستشهد بعض القراء برأي الكاتب الصحفي ( روبرت فيسك ) المتعلق باهتمام العرب ببيوتهم وإهمالهم الفضاء المحيط بها . وربما أكون أوردتها في كتاباتي السابقة .
بيوت العرب من الداخل نظيفة ومنظمة ومرتبة يولونها جل اهتمامهم ، ولكنهم في المقابل لا يهتمون بنظافة المكان العام .
وجهة نظر ( فيسك ) في الأمر هي أن العرب لا ينتمون إلى الوطن ، فالوطن هو ملك الدولة بنظامها الحاكم وهو ليس للشعب .
لا أعرف إن كان تفسيره واجتهاده في مكانه ، فالذين دافعوا عن فلسطين مثلا هم أبناء الطبقات الفقيرة المسحوقة التي لا تملك شيئا .
أمس أنفقت ساعة أو يزيد أنظف قسما من حديقة المنزل ، وغالبا ما اعتني أنا شخصيا بالحديقة أو أدفع للعامل الذي ينظفها ، ولا يهتم أكثر إخوتي وأكثر أبنائهم بالأمر ، كأن الحديقة لا تعنيهم إطلاقا .
لا يتعلق الأمر بالحديقة وحسب ، فهو ينسحب على الشارع الذي تخصص البلدية موظفا لتنظيفه يوميا ، ومع ذلك تجده لا يسر الناظرين ، وما لا يسر الناظرين أيضا الأرصفة ، فهي غالبا متداعية وبائسة ، ويبدو منظرها يثير الكآبة ولا يشفع لها بؤس ما هي عليه أنها أرصفة بيوت أكثرها مبنية من الححر الفاخر تقريبا .
هل ينسحب الأمر على منزل العائلة ؟
في ثالث أيام العيد تفقدت بيت أبي وقمت بتنظيفه ، فلم يكترث له أحد في الأيام التي سبقت العيد .
بيت العائلة إن مات سكانه - أي الوالدان - يطلبه جميع الإخوة ممن لديهم أبناء في سن الزواج . كل ينشده لابنه ، وما داموا لم يحصلوا عليه فلا يعيرونه أي اهتمام ، وهكذا يموت ، فالبيوت " تموت إذا مات سكانها " كما كتب شاعرنا .
الطريف أننا والإسرائيليون نتصارع على الأرض وهم يبذلون أقصى طاقتهم ويدفعون مليارات الدولارات ليبرهنوا للعالم أنهم الأجدر بفلسطين ، ولقد كانت فكرة الجدارة محورية في الرواية الصهيونية :
- انظروا كيف فعلنا بالأرض القاحلة الجرداء التي سكنها العرب ألفي عام !!
والطريف أن قسما منا لا يتردد في تصديق روايتهم والأخذ بها .
لطالما توقفت أمام رواية غسان كنفاني " عائد إلى حيفا " ورواية إميل حبيبي " المتشائل " لمناقشة الأمر ، ورد الكاتبين على الرواية الصهيونية .
مباني بيوتنا جميلة وفاخرة وواسعة ولكن شوارعنا وحدائقنا قبيحة وضيقة على المشاة و ... .
قبل العيد بيوم تقريبا جلست مع الدكتور يحيى الشعار الأستاذ في جامعة موسكو وسألته عن بيته هناك ؛ مساحته وفضائه ، فقال لي إنه لا يزيد مساحة على ستين مترا مربعا ، وهذا ممتاز ، فهناك ليس المهم حجم البيت وإنما الفضاء الخارجي المحيط به - أي الحديقة العامة والغابة وشوارع المشاة و ... و ... .
ولطالما تمشيت وأنا في ألمانيا على شواطيء الأنهار وجلست في الحدائق العامة ومقاهي الرصيف .
صباح الخير
خربشات
٢٤ تموز ٢٠٢١

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى