حميد العنبر الخويلدي - البُنى الشعرية بين متسع الرؤيا وخط الاحاطة... قراءة في نص "في الليل" للشاعر رسول عيد الامير التميمي

نص حداثة للشاعر رسول عيد الامير التميمي من العراق

في الليل...

1
سحاب.

وَمِنْ اللَيْل المُخشَوشن
مِنْ نافِذةِ شباكهِ المُشَبع
بالَبلل الشَتوي
غِناءٌ وَجِيع
يُلامِسُ وَجه مَدِينَته الغَافِية
منْ لَملَمةِ غُيوم
لَمْ تَأتي بخراجها بَعد

2
رَاعفاً يُغني.

وَمِنَ اللَيْل وَساعاتَة الثِقال
حَتى الفَجْر
شَمعَةٌ يَذوبُ بَياضها
ثُخن الدَمع المَالح
يَكتبُ أسمَاء فَراشاتِه البِيض
وَيُغَني راعِفاً
دَونَمْا أغتِياب
3
خُطَى إمرَأة.

وَمِنَ اللَيْل وَوجهُ الطُرقات
حِينَ يَغْسلها هَفِيف المَطر
بِلَونهِ الثَلجِي
لخُطى إمرأة
تَرتَديِ مَلامِحها الضَاجَة
وَقَلبُها المُتَسارعُ نَبضاً
ما بَينَ النَهديِن اللاهِثَين
يُشبِهُ سَجَعُ الفَواخِت
وَقَرهُن مِنْ تَحت أسقفُ البِيوت

4
بلَل الأرصِفَة.

وَللمَسافةِ حَكايا مَلامح
اختِلاط الشَوارع
قَدَمان تَزحفان مَعاً
دونَما انتِباه
نَحو رائِحَة رَذاذ المَطر
وَبَلل الأرصفَة المُمتَدة طُولاً

5
دِفءٌ ضَحَوي.

إمرَأة تُغَنيِ للمَطَر
تٌمرغُ رَغبَتها في دفءٍ ضَحَوي
لمْ تَعد تَسخنُ
مِنْ صَمْت الأزقَة
وَنَكهة السِكُون
لَمْ تَعد تَمدُ يَدَيها للرَقص
لَمْ يَعد وَجهها المُشرب بِحمرة
يَفيضُ َمعناهُ الحِسي
ما بينَ ظِلال الثَوب الغْائِم
وَذهُول الرَغبَة

6
شُحوب الأبواب

هي إمرَأة ذات عَينين خائِفتين
تَنقرُ شُحوب الأبواب
بأنامِل رَجيفة
لتَسمع صَوتَهُ المَبحُوح
والليْل لَمْ يَنتَه بَعد

رسول عبد الامير التميمي
العراق /السماوه



***************************



البُنى الشعرية ،،،
بين متسع الرؤيا.. وخط الاحاطة نص نقدي مقابل

====================

وهل مثله حامل لهذا الكون الوسيع ، نعني الفنان،،،؟ وهل مثله يشعر بمسؤولية التغيير ،،،،،؟ وابدال ما لا يعجبه فيه، بما يعجبه هو ذاته وحسب مواصفاته ،
يظن المبدع وهذا برهان حقيقة وارد عنده ، من انه المعني قبل غيره ، في الانشاء والتشكيل
والازاحات في المعاني ، الغث بالسمين ، والرديء بالفاضل ، والمهشّم بالمتماسك ، تارةً نجده ينقض واخرى يبرم ، ويرمّم ويُمايز ، يهدم ويبني ، يزلزل عروش وينتظر نتائج ، يحدث ثورات على طريقته ،حتى ولو حدث الجحيم ، المهم هي غاية سامية
المبدع لدية من السعة تتوافر عليه بها مواهبه الفذة ، فضلاً عنها ان تكون عبقرية ،
هذي المجريات معنوية طبعاً في حدود الاعتبار ، والاعتبار لدني الكينونة دائماً ، محبوكة به كل الوجودات ، لاتبعد عليه فيها بعيدة حتى ولو كانت بالقطب المتجمد ، او خطرة نعم تجده فوّات
عليها ولو كانت في مثلث برمودا الخطر ،
ولا يستطيع الماضوي بغباره وركامه ، غلق ابوابه بوجه الفنانيين ابدا
بل هم القادرون ان يتسللوا الى خزانات الملكة الفرعونية ، ويستطيعوا الحضور والمشاركة في فعل كيف
نحت السومريون كتابتهم المسمارية وكيف الاغريق تخيلوا الالهة والفينيقيون في كسب المنجز العائد لهم ، ابداً لا يُسَدُّ باب امامهم ، ولايمنعهم حصن ، مهما كانت قوته ،
المبدع هو المؤهْل اولا قبل غيره في ان يشهد على الغامض والعدمي ،،لاجل ان يكمل نظم الوجود ، ولا اعني الوجود المادي او وجود الكتل ، وجود الكتلة والمادة له قوى اخرى تنتجه وتوجده ، المبدع هو المؤهل الوحيد الذي تكشف له الحجب وتهتك ، وبما اننا ذكرنا انَّ هناك حجباً ، وهذا اعتراف باليقين والماوراء وبالغيبي الباصر ، فاننا ليست ملاحدةً ، ولا جحدةً ، إنما ناقدون للحقائق ومؤشْرون ،
وهذا ماخطه اصحابنا ونحن على الاثر نحقق وندقق ونضيف ،،
فالوجود القائم هذا لو تحريناه ، يظهر عن وجودين اثنين ، الاول في نسخة الطبيعة التي فطرها الله سبحانه ،
فتجلت لنا بحاراً وانهاراً وجبالاً وسماءً وارضاً وشمساً وليلاً ونهاراً وقمراً ونجوماً وغيرها من الصور والتعدادات
ومن الحيوان والشجر وشتى الاصناف والفصايل ،،
ووجود آخر اعتباري انتج نسختَه العقل والحس والادراك والذات السامية ، وهو الذي نتباهى به كرسالة حضارية قدمها الانسان للوقت ، كامل ماقدمت الحضارة والبشرية من جمال وبهاء خلّاق ، فالعقل انتج عجائبه السبع ، وانتج اسد بابل وبوابة عشتار وبرج ايفل وبرج خليفة ، وابداعات العالمة العراقية /زها حديد /في العالم رحمها الله ، انتج العقل كل ما عجت به النهضة وعصرها من ابداعات وصنايع ، انتج العقل وجود القيم والفلسفات والطب والفلك والصعود باتجاه القمر ، وغير وغير ،
وهنا لو اردنا قياس ايُّ الوجودين ابلغ ، نعم كلاهما معجزة وآية ، الكون صنع الله البديع سبحانه ، ماحيّر العقول ،والحضارات كمشروع انساني ، بالتأكيد بنات العقل ،،
ولاننسى ان ربطًا وثيقاً بين الوجودين حتميا مادياً و اعتبارياً ، تعبيريا ، وعلى مر التاريخ وماتحرك الزمن ،
فالتعبيري الجمالي يعتمد المادي الوجودي وهو الاصل ، بل يشترك ويساهم بالخلق لابد ، القصيدة تساهم بها افراد من الكون والطبيعة لابد. والا ما تصيّرت ،
فنص الشاعر /رسول عبد الامير التميمي / لو عيّنا فانّ واقعاً قبله موجود ، وظّف المبدع منه مايخص تناصاته ومعاييرها التكوينية ، وصورها التي ساهمت بشكل فاعل في الابتداع ،،
فلو اقتطعنا صورةً من البنى المعمارية للقصيدة وتفحّصنا مزاجها ورديفها التكويني لوجدناه مستلّاً من الوجود الاول وهذا هو الرابط بين الوجودين ،
اذ يتعدى ذلك الى ابتكار قيم جمالية تضيف للحياة بهجةً ونكهةً ووقاراً، وهذا حاصل نبوغ الفن
اسد بابل وجود ثان الان في حسابات الزمن ، اشترك وساهم فيه وجود سابق قبله وهو اسد الطبيعة او اسد عراقي اكيد
او قل رمزَ الفنانُ للبطل والقوة والجدارة ،
( راعفاً يغني ،،،
ومن الليل وساعاته الثقال،،،
حتى الفجر ،،،
شمعة يذوب بياضها،،،
ثخن الدمع المالح ،،،
يكتب اسماء فراشاته البيض ،،،
ويغني راعفا دون اغتياب ،،،)
حققْ باشكال الصورة ، وانظر الى اي الانتسابات تنتسب الهيئات الباطنية فيها والخارجية كذلك،
( راعفاً يغني ) هذا الحال المنفعل هو جانب انساني ايجابي ، فمن هو،،،؟ الانسان العاشق ، الجبل الاخضر المزدان ، من بائع الحلوى ، ام الفلاح ، ام المناضل ،،
نعم المناضل شموليه ،،تنجر على الجميع بمعطيات جمْة ، وهذا تفسيره من امتداد حافاتِ وآفاق الصورة ، راعفاً يغني ، راعفاً حال ويغني فعل مستمر مضارع لازال ، وهذا التحول الجميل من كينونة الغناء الى شمعة بيضاء ذابت ، مؤكد بالاشياء بالمكان لابد وترك اثراً مجيداً ،
( شحوب الابواب،،
هي امرأة ذات عينين خائفتين
تنقر شحوب الابواب
بانامل رجيفة
لتسمع صوته المبحوح
والليل لم ينته بعد،)
هنا قصة من نوع اسطوري تاريخي غامض ، تراها ولكن لاتراها ، تقترب وتبتعد كالسراب
وكالبرق ، هكذا جمع المبدع بين الواقعي والتلغيزي ، ومن ثم باشر برسم الصورة ، صورة امراة ،
منحوتة على جدار الوقت المفتوح ،
صور التميمي الشعرية لم تنغلق ابوابها ،انما يراعي بها الحلقات المفتوحة ، يراعي بها السند الواضح والادانة والشجب ، وهذي رسالة فنان حتماً،
التميمي اتبع مدرسة الجيل الرزن جيل الثمانينات ، جيل المهمات الكونية العظيمة ، حتى تشعر
انه في اغلب اعماله ملتزم بمعماريات ترقيمية ، وهذا فسّرناه وقلنا انها انسحابات واقع الحروب
وحركة الجيوش ، على روحية وسياقات الطراز في مخيلة المرحلة ، لذا تراه يرقم ويعطي عناوينَ ، وهذا طور الكتائب والفصائل ،،وكنا قد شرحنا ذلك في دراسة سبقت للتميمي ،،
انما اعدنا واشْرنا للفائدة ،،

الناقد
ا٠ حميد العنبر الخويلدي
المكاشفة الاعتبارية ،، العراق

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى