د. محمد سعيد شحاتة - الصحراءُ عجوزٌ

على حافة فنجانك كان هولاكو يخيط جرحه
وعيناه تسيلان بين رمال الصحراء
والصحراءُ عجوزٌ
ولا بشرى كي تصكَّ وجهها
إذ لا تبتسم للزائرين
لم تعد أحصنةٌ تترك حوافرَها على الصخور
وتسابقُ الريحَ
لم تعدْ دروبٌ ملأى
بجثثِ الهاربين من أحاديثِ المدينةِ
وسيوفِ القادمين
كيف تجاهلَ شروخَ القوسِ بين يديه
وانحاءَ السهمِ إلى الخلفِ
والطَّعْنَةَ في القلبِ تماما
لم تَعُدْ حدائقُ مُعَلَّقة على جدرانِ القلبِ
ولا قلائِدُ تُكلِّلُ صدورَ النساءِ
لم تَعُدْ نوافذُ مُشْرَعَة على المدى
ولا طيوفٌ تزورُ الأمكنةَ المخبوءةَ في أقاصِي الروحِ
حين يُعانقُ الليلُ ضلوعَ القابضين على عتباتِ الموانئِ
كيف اسْتَقَلَّ مركبَ الهالكين
وصُلِبَ خطباؤه على جذوع النخل
تأكلُ من رؤوسهم الطيرُ
وصار شعراؤهُ مُصَلَّبين على أشْرعةِ السُّفُنِ
تَلْتَهِمُ أعضاءهم أسماكُ القرشِ
ولات حين مَنَاص
وحين أخْرَجَ السَّامِريُّ عِجْلَهُ من قاعِ البحرِ
وكذلك سَوَّلتْ له آلاؤه
لملمَ أعينَ عشَّاقِهِ من الطرقاتِ
لِيَصْلِبَ عصا موسى على قوائمِ عِجْلِهِ
فلا السَّامِريُّ يَنْفُضُ غبارًا
تراكَمَ على جثَّةِ طومان باي
ولا ابنُ إياس يتركُ دفاترَهُ نهبًا للقادمين
كم كنتَ قادرًا على استعادةِ عروسِكَ أيها النهرُ
*
على حافة فنجانِكِ
كان هولاكو يهزُّ صحيفتَهُ
ليوقظَ كهنةَ التاريخِ مِنْ مَراقِدِهِمْ
يطوفون البلادَ ليجمعوا سحرةً
لم يكن هذا ما وَعَدَ الرحمنُ
ولا ما حَدَّثَ المرسلون
كان السامريُّ يُخْفي طلاسِمَ النهرِ
ليعودَ الهكسوسَ يجوسون خلال المدينةِ
متكئين على الأرائك
لا ينزفون
والصحراءُ عجوزٌ
ولا بشرى كي تَصُكَّ وَجْهَها
إذ لا تبتسمُ للزائرين


____________________
ديوان: العاشق الريفي




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى