محمد علي عزب - فؤاد حداد .. وذاكرة الشعر والشعراء

[HEADING=3]اٍن احتفاء شعراء العامية بالأب المؤسس الدستور المكرم أستاذنا المعظم فؤاد حداد يظنه البعض رغبة منا فى الذوبان فى شعر فؤاد حداد ومحاكاة أساليبه الجمالية, لا والله ليس الأمر كذلك, نحن نبحث عن تحقيق ذواتنا الشعرية والبحث عن أساليب جمالية تخص كل شاعر منَّا, لكن التقدير ورد الفضل لأهله واجب, فؤاد حداد هو أول من شق الطريق وأسس لكتابة شعرية عامية حداثية تتخذ من شكل الشعر الحر الذى عُرف فى الثقافة الأنجلو أمريكية شكلا للكتابة الشعربة العامية الجديدة, والشكل الفنى للشعر الحر الاٍنجليزى قد تأثرت به أيضا قصيدة التفعيلة فى بنائها الفنى لكن مع فارق جوهرى فى كيفية ونوع التأثر بهذا الشكل بين قصيدة العامية وقصيدة التفعيلة, هو أن قصيدة العامية قامت على تجريب شكل الشعر الحُرّ كما هو من ناحية الموسيقى الحرة القائمة على التنغيم والنبر والدمج بين التفعيلات دون الالتزام بضرورات وقوانين العروض وأوزانه, فقصيدة العامية لم تنطلق من نقطة كتابة الشعر بالوزن العروضى, بل انطلقت من فكرة التحرر والموسيقى النابعة من مفردات اللغة ومن التجربة الشعرية ذاتها .[/HEADING]
وانطلاق شعر العامية الحُر / قصيدة العامية من مفارقة الأشكال الشعرية العامية التقليدية, وتجريب الكتابة فى شكل كتابى جديد كان مرتبطا بالبحث عن أدوات فنية جديدة, وجماليات جديدة مغايرة لجماليات وشروط الأشكال الشعرية العامية الأخرى على مستوى الصياغة والرؤيا والتشكيل الجمالى, والبحث عن طاقات وآفاق شعرية جديدة فى لغة الحياة اليومية, وقد حققت قصيدة العامية تلك الشروط الجمالية الجديدة المرتبطة بشكلها الفنى, وذلك منذ صدور أول ديوان لشعر العامية الحر / قصيدة العامية وهو ديوان "أحرار وراء القضبان" للشاعر فؤاد حداد سنة 1952م, وقدم فؤاد حداد فى قصائد هذا الديوان طرحا شعريا جديدا وجماليات جديدة تخصّ شكله الفنى الجديد, الذى يُعَد انعكاسا للبنية اللغوية الجمالية والرؤى التى يجسدها الشاعر عبر لغة شعرية مشحونة بالطاقة الانفعالية, لغة جديدة قائمة فى صياغتها على الانحراف عن معيار بناء اللغة التوصيلية, وتميل اٍلى الترميز والتلميح والاٍيحاء, وتحقيق الطابع الأيقونى للشعر الجديد أى قدرة لغة وأدوات الشاعر على استحضار صورة كلية للعالم التى عاش فيها الشاعر تجربته, حيث يقول فؤاد حداد فى قصيدة "السجن أوِّلُه فى القنال" التى كتبها فؤاد حداد فى نوفمبر 1951م :
فى سجن مبنى من قلوب السجانين
قضبان بتمنع عنك النور والشجر
زى العبيد مترصصين
النور ربيعه والصباح
يوصل اٍليك محدود مُحَدَّد بالحديد
قضبان بتمنع عنك الدنيا البراح
زى العبيد مترصصين
قضبان ما بتحسش يا محروم الحنان
تحلم بسمرا الصبح تسقيك اللبن
تصحى على الديدبان كمان
قضبان ما ترحمش الضلوع
قضبان كأن الفجر مشروع انتحار
قضبان كأن الصبح شمسه من دموع
قضبان على جبين النهار
وانتقلت قصيدة العامية التى أسس لها فؤاد من مصر اٍلى الشام فى خمسينات القرن العشرين وكان روداها فى لبنان ميشيل طراد وموريس عواد وطلال حيدر, وفى فلسطين صخر حبش, وفى سوريا عمر الفرا, وفى ستينات القرن العشرين انتقلت قصيدة العامية اٍلى العراق وروادها الشاعر العربى الكبير مظفر النواب وصادق الصايغ وعريان خلف السيد, وفى نفس التوقيت انتقلت اٍلى السودان ورائدها الشاعر السودانى الكبير محجوب شريف, ومنذ السبعينات حتى أوخر الثمانينات انتشرت قصيدة العامية فى بلاد الخليج كتبها فايق عبد الجليل والبدر بن عبد المحسن وعبد الرحمن بن مساعد وفى المغرب العربى كان رائدها منذ السبعينات الشاعر المغربى الكبير أحمد لمسيَّح .
أليس اٍذا من حقنا أن نحتفى بفؤاد حداد ونؤكد على حضوره ودوره التاريخى وحفر اسمه فى الذاكرة العربية المعاصرة, تلك الذاكرة التى أهملت الزجال الأندلسي جدنا العظبم أبى بكر بن قزمان القرطبي "475 ـ 555 هجرية" لأنه يكتب بالعامية, ودرس أزجاله المستشرق الأسباني فيدريكو كورنيتي وحقق ديوانه, لنتعرف نحن أمه العرب على شاعر كبير كتب بالعامية الأندلسية لا يقل عن الشعراء العرب الظام الذى كتبوا بالفصحى ...
لذلك سيظل فؤاد حداد فى الذاكرة فهو من قال لنا فى اٍحدى قصائده مُلقيا سلامه علينا, ليخبرنا بحبه لنا قبل أن يرانا حيث قال :
سلِّم لى على الأحفاد
أولاد اللى كانوا وْلاد
البُكَر فى الاستشهاد
الطير اللى عَدَّى السلك
بكرامة فؤاد ...


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى